ودعت الأوساط الفنية العراقية عميد السينما بالبلاد المخرج عبد الهادي مبارك، الذي توفي في بغداد عن عمر ناهز 80 عاما بسبب تدهور حالته الصحية، لتطوي بذلك صفحة عطاء فني لمبدع توغل في أعماق المجتمع العراقي وقضاياه وقدم في ذلك معالجات سينمائية إنسانية رائعة. وشيّع جثمان الفقيد من مقر دائرة السينما والمسرح في العاصمة بغداد، الذي اكتظ بمئات الفنانين من زملاء الراحل وتلاميذه، ولف الحزن الجميع بفقدان السينما العراقية واحدا من رموزها وأحد صناعها الحقيقيين قبل أن تواجه مسلسل الاندثار وتلاشي تاريخها. وقال الممثل العراقي المعروف سامي قفطان إنه (برحيل المخرج الكبير عبد الهادي مبارك تكون أركان السينما العراقية قد فقدت واحدا من أبرز أعمدتها وأحد صناعها، ولا سيما أنه ترك أثرا كبيرا وبصمات واضحة في مشروعه السينمائي الفني). وكانت أولى مشاركات المخرج الراحل في هذه الصناعة في أول فيلم روائي عراقي أُنتج عام 1948 للمخرج الفرنسي أندريه شوتان، وعمل بعدها في فيلم (ليلى في العراق) للمخرج المصري أحمد كامل مرسي، الذي أُنتج أواخر الأربعينيات. واهتم مبارك في أعماله بقضايا المجتمع العراقي متوغلا في أعماق تقاليده سواء في المدينة أو خارجها، وقدم معالجات سينمائية إنسانية رائعة عبر أشرطة عدة قام بإخراجها شكلت أولى خطوات صناعة السينما في العراق. ومن أعماله البارزة على الساحة السينمائية العراقية فيلم (عروس الفرات)، (1956) الذي يتناول المشاكل الاجتماعية التي تواجهها المرأة في الريف العراقي وحكاية فتاة تضطر إلى مغادرة قريتها في أحد أرياف مدينة عراقية في الجنوب، على الرغم من العادات الصارمة التي تحكم الفتاة آنذاك، لتواصل رحلتها الدراسية في العاصمة بعيدا عن قساوة التقاليد وظلم الحياة. وفقدت النسخة الأصلية لهذا الفيلم من أرشيف دائرة السينما والمسرح، التي كانت تضم في أرشيفها أكثر من 90 فيلما سينمائيا. وغاب المخرج الراحل عن الساحة السينمائية لسنوات عدة بعد أن أخذت عجلة السينما العراقية تتراجع، وهي تتخلى مرغمة عن تاريخها الحافل الذي صنعته أسماء بارزة يقف في مصافها الراحل عبد الهادي مبارك.