بقلم: الدكتور غانم النجار فجأة وبدون مقدمات، طفت قضية الإعدامات في العراق على السطح وكأنها اكتشاف جديد لبعض السياسيين. تاريخ الإعدامات في العراق قديم قدم الطين والنهر، وحكاية الإعدام في حقبة صدام فيها الكثير مما قيل ومما لم يقل، وقد قرأت حكماً بالإعدام منطوقه _يعدم حتى الموت عشرين مرة بالتعاقب_ كيف؟ لا أدري. موضوعنا الآن هو الإعدامات في الحقبة الحالية، والتي تصدت لها منذ سنوات منظمات دولية غير حكومية كمنظمة العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش وغيرهما من منطلق إنساني، فبعد توقف لمدة سنة تقريباً بعد غزو العراق عادت أحكام الإعدام مرة أخرى في 2004، وقد تم الحكم منذ ذلك الوقت على قرابة 1200 شخص بالإعدام حسب المفوض الدولي الخاص بالإعدام التعسفي، ولا تعلن الحكومة العراقية تفاصيل عن تلك الأحكام، ولا هوية المتهمين، ولا أسباب الحكم، وخصوصاً أن هناك 50 جريمة عقوبتها الإعدام، إلا أن السنتين الأخيرتين شهدتا زيادة ملحوظة في التنفيذ حيث أعدم 68 شخصا في 2011، وأعدم في الاسبوع الماضي 26 شخصاً ليصبح إجمالي الذين تم إعدامهم في ما مضى من 2012، 96 شخصاً منهم شخص سعودي وآخر سوري وثلاث نساء حسب الووتش. وقد تم اعتماد تنفيذ إعدام 196 شخصاً في محافظة الأنبار منذ أسبوع في عملية تسريع لتنفيذ الإعدام ترتب عليها جدل واسع في البرلمان العراقي، وترتب على ذلك قيام المتهمين بالإضراب عن الطعام في سجني الرصافة وتاجي. ولا يأتي الاعتراض على الإعدام انطلاقاً من موقف سياسي من السلطة في العراق أو تضامناً مع التوجه السياسي للمتهمين، ولكن استناداً إلى معطيات إنسانية عامة، أهمها أن المحاكمات التي تم إجراؤها لا تلبي الحدود الدنيا من شروط المحاكمة العادلة، بل تستند إلى اعترافات تم انتزاعها تحت التعذيب، يضاف إلى ذلك قيام بعض محطات التلفزيون ببث اعترافات للمحتجزين حتى قبل أن تبدأ المحاكمات، مما يلغي حقهم الأساسي في افتراض البراءة إلى أن تثبت الإدانة. وبالطبع هذه الاختلالات ليست حصراً على العراق فحسب، فالمنطقة زاخرة بمثل هذه السلوكيات اللاإنسانية مما دعا كل المنظمات الدولية والمفوض الدولي إلى المطالبة بإيقاف العمل بالإعدام بشكل نهائي، وهو أمر يتجاوز العراق بالتأكيد، أما بالنسبة للدول التي تصر على الإبقاء على الإعدام ضمن تشريعاتها فمن الواجب الالتزام بمدونة السلوك الدولية بألا يتم تنفيذ الإعدام إلا في الجرائم الخطيرة جداً، وتأمين محاكمة عادلة شفافة ونزيهة، وعدم التوسع في الجرائم التي عقوبتها الإعدام، بل تقليصها إلى أقصى درجة ممكنة. موضوع الإعدام برمته في حاجة إلى مراجعة في ظل وجود شكوك في عدالة النظام، وتسييس القضايا، أو التشكيك فيها، وحتى لا تكون المواقف انتقائية كما هو حاصل الآن.