يخلو العبد في شهر رمضان إلى نفسه، وعادة ما يترك المعاصي والسيئات، او بعضا منها، وحتى إن لم يقبل على الطاعات فان رمضان بالنسبة له لا شك سيكون فرصة لمراجعة الذات، ومحطة قد تجعله يغير حياته كليا. هذا ما وقع للكثير من الأشخاص الذين، وبعد أن كانوا قد نسوا او تناسوا دينهم وأسرفوا على أنفسهم من دنياهم واقبلوا على المعاصي دود حدود ودون قيود تجمحهم، ها هو رمضان أتى ليغير في طباعهم الشيء الكثير والقليل، فانتهى المدمن على المخدرات او على المشروب او انقص منها، أما آخرون فقد غير رمضان حياتهم كلها، وجعلهم يتحولون من النقيض إلى النقيض ويعودون إلى ربهم تائبين، ويتركون كل شيء سيء، ويتمسكوا بالمقابل بكل شيء يقربهم من الله. وقد وقعت في بداية الشهر قصتان أولهما لشاب تاب لربه وعاد إليه بعدما كان مسرفا في المعاصي، كان شابا سكيرا عربيدا، أنهى دراسته الجامعية، ووجد نفسه في البطالة والفراغ واللاشيء، فأدمن الخمر، وظل على تلك الحال أربع سنوات كاملة، ولم يقدر على إعادته إلى الطريق الصواب لا والده الذي كان يشبعه ضربا كلما عاد إلى البيت مخموراً ولا أمه التي كانت تحنو عليه، وتحاول نصحه وإعادته إلى الطريق الصواب، وكان في كل مرة يحاول فيها التوقف عن الشرب إلا ووجد من يعيده إليه من رفقاء السوء، ومشاكل عائلية وأخرى تتعلق بالعمل، ولا زال كذلك إلى أن صار غير قادر على التوقف، وأصبح مدمنا من الدرجة الأولى، وصار طريق العودة أقسى عليه من أن يستمر في حياته الماجنة، لكن حادثة واحدة جعلته يتغير تماما، وذلك عند حلول شهر رمضان، وكان قبلها قد استبدل المشروب بالحشيش المخدِّر، حتى لا يسكر في رمضان ولكن يدخن السجائر الملغمة، والتي فكر في أنّها ستخفف عنه غياب الخمر، وفكر كذلك في أنها ليست محرمة ولا تنقض الصيام مثل الخمر، وكان رفقة أصدقائه يتعاطاها في ثاني سهرات رمضان، ثم اخرج احدهم قارورة خمر وسكب لأصدقائه ليشربوا، ورغم أن صاحبنا رفض في البداية أن يشرب إلى انه ضعف وشرب منها، ولما شاهد صديقه شيئا من ندمه، راح يسخر أمامه من رمضان ويشتم الدين والذات الإلهية والنبي عليه أفضل الصلاة والسلام، وهو الأمر الذي جعل صاحبنا يستاء ويفكر في الحقارة التي وصل إليها مع أشخاص انتهكوا حرمة رمضان وزادوا على ذلك بان راحوا يعبثون بالمقدسات. قرر بعدها الشاب التائب ألا يعود إلى الشرب ولا إلى هؤلاء الأصدقاء، وان يمضي رمضان كله في التعبد والاستغفار، وقد منحه الله شجاعة جعلته يتوقف حتى عن التدخين، فحمد الله كثيرا، وكان من التائبين. أما "س" صاحبة الثامنة والثلاثين ربيعا، والتي قضت نصف عمرها في ارتكاب الذنوب والمعاصي، فكانت تزني وتشرب الخمر، ولم تدع سيئة إلاّ ومارستها، وكان هذا منذ صغرها منذ أن تخلى عنها أمها ووالدها، وتركاها دون معيل، فوجدت نفسها تبيع جسدها وانحدرت في درك السيئات وظلت كذلك إلى أن جاء أول يوم من رمضان، وكانت قد انتقلت إلى السكن في بيت قريب من المسجد، فسمعت الإمام يرتل الآية التي يقول فيها الله تعالى:"قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم"، فلم يكن منها إلاّ أن قررت أن تستغفر ربها وتتوب إليه، وان يكون رمضان انطلاقتها نحو التوبة النصوح.