المبادرة بالتوبة تقرّب مطلوبة في كل وقت ولكنها قبل مواسم الخيرات تكون أشد طلبا، وذلك لأن الذنوب هي التي تحول بين العبد وبين اغتنام هذه المواسم، يقول الله تعالى "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير"، ومن أعظم المصائب في الدين أن تمرّ مواسم كهذه دون أن يغتنمها المسلم في طاعة الله، وبعض الناس يظن أنه يعصي الله والله لا يعاقبه وذلك لأنه يرى أن النعم عليه مستمرة ولا تنقطع، فالمال موجود والأولاد بعافية وكل شيء على ما يرام، ولا يدرى المسكين أنه يعاقب وهو لا يشعر وذلك بحرمانه اغتنام مثل هذه المواسم بالطاعات لأن الطاعة شرف والعاصي لا يستحق هذا الشرف، وكان رجل في بني إسرائيل قد أسرف على نفسه بالمعاصي فقال "يا رب كم أعصيك ولا تعاقبني" فأوحى الله إلى نبي ذلك الزمان أن قل له "كم أعاقبك وأنت لا تدري، أما حرمتك لذة مناجاتي وطاعتي"، والمبادرة بالتوبة والإنابة قبل رمضان خير عمل للفوز في رمضان، ولها طرق يمكن متابعة بعضها. العمل على الخير يؤدي إليه يطّلع الله على القلوب ويعلم ما بها، وما من عبد يطلع الله على قلبه فيرى أنه يريد الفوز في رمضان بصدق إلا أعطاه الفوز في رمضان، وما من عبد يطلع الله على قلبه فيرى أنه يريد الشهوات وعمل السيئات في رمضان إلا لم يبال الله به في أي واد هلك. شغل النفس بأعمال بالطاعة من أعظم علامات الصدق أن يكون العبد عازما على اغتنام لحظات رمضان في طاعة الله وذلك بتنظيم برنامج يومي يملئ بالطاعات والعبادات حتى لا يترك مجالا لنفسه أن تشغله بالمعصية وأن يحاول قدر استطاعته أن يتقن هذه الطاعات والعبادات، بل وعليه أن يغتنم رمضان لتعويد النفس على أنواع من الطاعات، فلا ينتهي رمضان إلا وقد أخذ حظه منه وتزوّد بزاد من الأعمال الصالحة التي تربت النفس عليها، وهذا العزم وهذه النية الصالحة في عمل الخير تفيد كثيرا، فلو قدّر الله على العبد ولم يستطع اغتنام رمضان بالطاعة لعذر ومانع مقبول فإن الله لا يضيع لك هذه النية الصالحة.