بقلم: الدكتور جيلالي بوبكر أما الجانب الفكري والفلسفي في الثقافة العربية الإسلامية الراهنة يتأرجح بين التراث والوافد فهو تراثي محض أو تغريبي بحت أو توفيقي بين الاثنين وقد يكون تلفيقيا، ولا وجود لفلسفة عربية إسلامية حديثة ومعاصرة استطاعت أن تهضم الفكر الغربي المتشعب والمتنوع في المنطلقات والأسس وفي المناهج والأهداف، وتنطلق من الواقع المعيشي ومن التراث لتؤسس لنهضة حقيقية عكس ما يحدث الآن من تغيير في أشكال الحياة ومظاهرها لا في المضامين الأمر الذي يزيد في تعميق الأزمة وتفاقم المشكلات وتعزيز التبعية الفكرية والثقافية، فالعلوم والتكنولوجيا المتطورة المعاصرة التي يُقبل على شرائها واستهلاكها العالم المتخلّف تتضمن قيّما تعكس فكر وثقافة وأهداف الشخصية المنتجة، وهي قيّم قد لا تكون بريئة من محاولات غزو الغير ثقافيا والمساس بسيادته التاريخية وبكرامته الفكرية وطمس هويته في الوقت الذي تحافظ فيه كل أمة من أمم العالم المتقدم على ذاتها وتُسخر ما لديها من إمكانات لذات الغاية، وإذا كانت مظاهر الحياة الثقافية شتى، أفكار في الدين والعلم والفلسفة والأدب وغيره وأعمال في الفن والتقنية وغيرها مما هو عملي أنثروبولوجي من أعراف وعادات وتقاليد، هذه المظاهر في عالمنا العربي والإسلامي المعاصر ارتبطت لدى الأكثرية بالتاريخ والتراث وعجزت عن التكيّف مع الواقع الراهن الذي تسيطر فيه ثقافة الغرب وقيّم حضارته متمثلة في قيّم الحداثة التي قامت عليها النهضة الأوربية وأبرزها العقلانية والعلمانية والحرية والعلمية والديمقراطية والتحديث وما رافقها من مبادئ تخص حقوق الإنسان والمحافظة على البيئة وفظ النزاعات بين الدول وحماية الشعوب من الحروب وأسلحة الدمار الشامل، وهي قيّم شعارات لا ممارسات لأنّ مبادئ الحداثة والتحديث تنطلي على شعوب وأمم العالم المتقدم لا العالم المتخلّف. إنّ التركيبة الثقافية في البناء الحضاري الراهن ذات طابع مادي استهلاكي آني لا اعتبار فيه لمطالب الفكر والروح والوجدان، في حين مازالت الثقافة العربية الإسلامية روحية دينية مشحونة بالعواطف والمشاعر لم تستطع استيعاب ثقافة الغرب ولم تقدر على مواجهتها وتجاوزها لغياب شرطي التقدم الفكري والثقافي وهما الحرية والإبداع، فثقافتنا تكرارية اجترارية للموروث التاريخي أو للوافد الخارجي أو توفيقية تلفيقية بين الموروث والوافد ولم تبدع فتتجاوز الموروث والوافد وتشارك في الإعمار الثقافي والحضاري الراهن، وما زاد في تفاقم الوضع الفكري والثقافي في اتجاه التدهور والانحطاط في عالمنا العربي والإسلامي ظاهرة عولمة الثقافة المعاصرة من خلال فرض ثقافة العولمة، ثقافة الحداثة وثقافة ما بعد الحداثة وقيّم الغرب الأوربي وأمريكا الشمالية الفكرية والمادية والعملية في الحياة عامة، كل هذا صار يمثل التوجّه الثقافي العام الأوحد الذي تفرضه قوى المركز في معادلة المركز والأطراف في سياق العولمة عامة والعولمة الثقافية خاصة على جميع شعوب العالم، بما في ذلك الشعوب العربية والإسلامية التي تئن تحت وطأة الاستعمار ومخلّفات الاستعمار وتحت ضربات الغزو الفكري والثقافي الموجعة في قلب الهوية العربية الإسلامية ناهيك عن الآلام التي تعانيها أمتنا العربية والإسلامية بسبب الذين يطعنون كرها ومكرا في قيم ورموز هويتنا الدينية والثقافية. يستغل المركز كل الوسائل والأساليب المتاحة المشروعة وغير المشروعة لتمرير المخطط الثقافي والمشروع الفكري للعولمة الثقافية وللجمع بين ثقافة العولمة وعولمة الثقافة، أي التوحيد بين الانتشار والانصهار، انتشار ثقافة العولمة التي هي ثقافة المركز القويّ الطاغي المتجبّر وانصهار ثقافة من في الأطراف الضعيف المتهيّب المقهور المغلوب على أمره، المركز يستغل سائر وسائل الإعلام والاتصال ووسائل التثقيف والمثاقفة والتجارة والمال والاقتصاد والسياسة والفن والعلم والتكنولوجيا وغيرها وحتى الجيوش وقوة الحديد والنار إن استدعت الضرورة ذلك، في ظل هذه الأوضاع الثقافية والفكرية الفاسدة المتعفنة لم تستطع أمتنا الحياة على الموروث وحده ولا هي تمسّكت به ولا أن تحيا على الوافد وحده ولا اندمجت فيه بل تعيش حقيقة أزمة مشروع فكري وثقافي وهي أزمة يعدّها العديد من المفكرين والمثقفين بأنّها المعضلة الأمّ التي وراء تخلّفنا.