بقلم: فاطمة الزهراء بولعراس مر أكثر من شهر على وفاة الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد رحمه الله، ذلك الرجل الطيب الذي يشبه الجزائريين كل الشبه بما فيه من البساطة ونكران الذات...أولئك الجزائريون الذين نعرفهم أنا وجيلي الذين درسنا في مدارس الاستقلال الذي جاء به أمثال هذا الرجل وهم كثيرون.... إن كلامي عن بن جديد لا يدخل في باب (كيكانْ مشتاقْ تمرة وكيماتْ علقولو عرجون)...لا أبدا... لأن الرجل كان شبعانا...... عافيا... سعتْ إليه المسئولية فلم يرفضها لحسن نيته ولحبه لوطنه ولم يسع إليها والتاريخ يشهد والأحياء يشهدون على ذلك...ولكن في بلدي لا أحد يجرؤ على الثناء وذكر محاسن الآخرين وخاصة إذا كانوا مسئولين لأنه سيُتهم (بالشيتة ولغة الخشب ) في حين أن المنتفعين والجهلة يحق لهم ذلك حتى وهم يعلمون أنهم يسيئون إلى من يمدحونهم أكثر مما يحسنون إليهم...؟؟ سبحان الله وهل كانوا إلا بشرا هؤلاء المسئولون؟؟ الغريب في أمر أبواق الأنظمة الذين يرفعون شعار(مات الملك يحيا الملك) أنهم أوفياء لمبادئهم في الزيف والكذب بينما يُحاسيون البسطاء الشرفاء على مشاعرهم الصادقة وثقتهم في بعض أبناء وطنهم المخلصين مثل الشاذلي بن جديد. لن أزكي بن جديد عندما أقول إن عهدَه كان أكثر الفترات أمنا في بلدي وأن الجزائريين كانوا ينامون بأبواب بيوتهم مفتوحة...وهذه لوحدها نعمة لاتقدر بثمن خاصة بعد الفترات التي والت حكمه وتحولت بيوت الجزائريين إلى سجون وثكنات عسكرية بأبواب حديدية وأسوار عالية تعلوها القضبان...؟؟ ولن أزكّي بن جديد إذا قلت أن أروقتنا امتلأت في عهده بالخيرات من كل الألوان حتى لوكان البعض يعيب عليه ذلك ويعتبره إفلاسا للخزينة العمومية.... وتشجيعا على الاستهلاك...؟؟ إن الجزائريين كما هو معروف لا يحبون الفذلكة وكثرة الكلام ولكنهم يؤمنون بالفعل ولما أحبوا بعض رؤسائهم فلأن هؤلاء اجتهدوا وأصابوا واجتهدوا وأخطأوا ولهم أجرهم وحتى إن لم يكونوا قد اجتهدوا فلهم وزرهم، ولمن نصّبهم سواء بالزيف أو بالكذب أو حتى بالدعاية عن جهل....ولكن مشاعرهم لاتخطئ أبدا وهم يستشعرون الوطنية بما عندهم منها وهؤلاء هم الأغلبية....أما الناشزون والمستلبون والمتربصون فكانوا ولايزالون موجودون وهم ممن يحفظون ولا يقاس عليهم وإن كان تأثيرهم في الأحداث كبيرا وأورثنا مانعاني منه من علل وما ابتدغوه من ملل، سبحان الله وهل كان بن جديد إلا بشرا؟؟ بلى ولكنه كان بشرا من الصالحين لأن كل ماقيل عن بن جديد كان محض افتراء ومبالغة هدفه بدا واضحا فبعد أن ترك صمام الأمان انفجرت الأوضاع بحمم الديمقراطية الزائفة والإسلاموية الغريبة عن شعبنا والعلمانية المقيتة والجهوية الضيقة فانزلقنا في يم الأزمات أشتاتا قلوبنا متفرقة ووجهاتنا متضاربة مرت عشريتان ونحن نتحاور كالطرشان ونتقاتل كالعميان ونتحاجج بالطغيان وأصبح الوطن في مهب الطمع... طمع أبنائه وبطانة السوء من الذين يوسوسون لهم بالفرقة والخلافة والحرية.....وهلم جرا عندئد فقط تذكر المخلصون رئيسهم الطيب ذا الشعر الأبيض الجميل جمال روحه وبكوا أيامه بدموع من أسف وندم..... سبحان الله وهل كان بن جديد إلا بشرا؟؟ بلى كان بشرا ووطنيا واجتهد في فتح أبواب الديمقراطية بإيمان حقيقي بأن رياحها ستطال جميع الشعوب لكن لم يكن يدري أن للديمقراطية مفهوما آخر مختلفا عند بعض الطامعين والحالمين بالسلطة والصولجان..... قد نكون نجهل كثيرا من الأحداث والخلفيات التي دفعت بن جديد إلى الاستقالة أو حتى الإقالة كما ردّد البعض ولذلك يغيب عنا التحليل المنطقي والاستنتاج الدقيق..لكن الواضح أمامنا وبشدة أن ابن جديد كان صادقا مع نفسه ومع شعبه في كل ماقام به من أعمال أو اتخذه من قرارات وهذا وحده يكفي كي نحترم ابن جديد ونذكره بكل خير سواء قبل وفاته أو بعدها.... سنذكر الشاذلي بن جديد الذي حافظ على الثوابت من لغة ودين سنذكر بن جديد الذي حافظ على تأمين قوت البسطاء والضعفاء من الناس وحافظ على مجانية التعليم....وحافظ أكثر على سمعة بلدنا... سبحان الله وهل كان ابن جديد إلا بشرا؟؟ بلى وله كثير من الأخطاء....ولكن عشرية الدم والدموع مسحت كل تلك الأخطاء وخرج ابن جديد الوطني الطيب بلقب آخر يليق به وهو أبوالديمقراطية في الجزائر...أطلقه عليه الصحفيون الشباب المتعلمون الذين درسوا الأحداث بعد أن نقبوا وعرفوا المتسببين فيها واستنتجوا ماللرجل من صدق ووطنية فأنصفه التاريخ بعد زمن قصير جدا من ركونه إلى الراحة التي كان ينشدها ولم يستطع لأنه كان ككل جيله مريضا بحب وطنه... ولنتذكر جميعا أنه لم ينل رئيسا جزائريا ماناله ابن جديد من النكت والسخرية وبغض النظر عن فحواها فقد كانت تدل على رغد الأمن الذي كنا نعيشه حيث تحلو المؤانسة والتنكيت... ولقد صام الجزائريون من بعده عن النكت وعن الضحك ودخلوا في مرحلة سوداء من الاكتئاب والمرض النفسي لم تبدأ بالزوال إلا مؤخرا وبعد خسائر فادحة مازال جرحها لم يندمل بعد...؟؟ إن كبرياء ابن جديد وشهامته جعلته يلتزم الصمت ودائما من أجل وطنه وهذه قمة المسئولية، فبعد ركونه إلى التقاعد ابتعد عن الظهور وامتنع عن الصحف واندمج في حياته العائلية زوجا صالحا وأبا عطوفا وجدا حانيا وحتى عندما كتب مذكراته التي خرج منها الجزء الأول كان في غاية النبل ونكران الذات وبعيدا جدا عن النرجسية وحب الذات التي سيطرت على بعض المرضى من الجزائريين الذين رموا ببلادهم في أتون الحريق من أجل السلطة والعرش. إن أخطاء ابن جديد(البشرية) تحولت إلى مزايا بفضل هؤلاء الذين يمسكون بخيوط العرائس ويختفون وراء الستار ليغيروا متى شاءوا اتجاهها وحوارها لكن الشاذلي بن جديد الحر المجاهد لم يسقط في حبائلهم ولم يستسلم لإرادتهم ورفض أن يكذب على شعبه وهذه هي قمة النبل.....أما الأشياء الأخرى فيجب أن نسكت عنها والتي في الحقيقة هي سبب النزاع فيما بين الطامعين...فلا يجب أن نحاسب الرئيس لأنه يركب سيارة فخمة أو يسكن قصرا منيفا في حين أن بعضا ممن نعرفعم ليسوا برؤساء ولا بورثة ولا بأمراء أصبحوا أثرياء في ظرف وجيز... ولا أعلم من أين سقطت عليهم هذه الثروة؟؟؟ قد تكون بعض المثالية في نظرتي هذه عندما أضع نفسي مكان شباب بلا عمل ولا سكن....الخ ولكنها تصبح حكيمة عندنا تقاس هذه الأشياء التافهة بالنفس والروح. أليس شبابنا هم من من كانوا ضحية اللعبة الديمقراطية الخسيسة؟؟ أليسوا من سالت دماؤهم في نزاع لم يعرفوا كنهه ولم يدركوا غايته؟؟ فما قيمة النفط الذي يسيل اللعاب أما م نفس واحدة من أبنائناالشباب المتدفق بالحياة؟؟ ليس من حقنا أن نطلب من شبابنا الصبر والاحتساب في بلد غني كالجزائر ولكن ليس من حق الطامعين والمهووسين بالكراسي أن يطوحوا بهم في مهبّ أحلامهم المريضة مستغلين براءتهم وحبهم لوطنهم..ولكن من واجبنا أن ننبههم إلى أن في الوطن رجال مخلصون منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ومابدلوا تبديلا. وفي الوطن شباب طموح وكفء وقادر على تحمل المسئولية...ولكن المسألة مسألة وعي ووقت وأخذ الأسباب الأقل ضررا للأمة...هذه الأمة التي عانت من الويلات ماعانت ألا تستحق أن ترتاح من الموت والإرهاب؟؟ ما كان أحوجنا إلى حكمة ابن جديد وإلى أمانه ودماء أبنائنا تسيل في ساحة الفتنة بلا ثمن، ما أحوجنا الآن لكي نفهم أن خيرنا فينا وأن لنا مالنا وعلينا ماعلينا كالبشر سواء بسواء... ما أحوجنا لكي نتعلم من أخطائنا القاتلة (حكاما ومحكومين) وألا تمضي ببلدنا الجميل إلى الخطر مهما كانت الأسباب رحم الله الشاذلي بن جديد الذي ماكان إلا بشرا ولكن من الصالحين رحم الله الشاذلي بن جديد ذلك الجزائري الحر الذي جاء الوقت وأنشدنا له بحرقة وصدق عميقين وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر؟؟