انتهى شهر رمضان الكريم، وعادت الحياة إلى ما كانت عليه قبل حلوله، ومن ذلك تلك المهن الموسمية التي راح عشرات، بل مئات الشباب يأكلون منها خبزا.. خبزهم المؤقت. في ظل البطالة القاتلة التي يعاني منها الشباب الجزائري، يحاول هؤلاء استغلال كل الفرص للحصول على لقمة العيش، ومن ذلك المهن الموسمية التي يحترفونها مع مقدم كلّ مناسبة، او على الأقل في المناسبات التي تسمح لهم بالعمل، ولعل رمضان من بين أكثر المناسبات التي توفر للشباب فرصا للعمل، من حيث أن امتهان أي حرفة لا يستدعي بالضرورة رأس مال كبير، فبوسائل بسيطة يمكن أن يكون الشاب تجارة تدر عليه نقودا. وهو ما فعله الشباب طيلة شهر رمضان، العاطل وحتى العامل، فالكل او الكثيرون صاروا يقبلون على تلك المهن الموسمية، من بيع الحلويات الرمضانية المختلفة وحتى لوازم الأكل، خصاصة بالنسبة للأسر التي تقدر على تحضيرها في البيوت، أي أن تجارة مثل هذه تكون سهلة ومربحة، وعدد الباعة التي شاهدناهم طيلة شهر رمضان ليدل على تهافت المواطنين على هذه التجارات الموسمية، خاصة منهم الذين لا يجدون عملا مستقرا أيام السنة العادية، فيكون رمضان بالنسبة لهم الشهر الوحيد في السنة الذي يسترزقون منه، وهم بالتالي على مشارف البطالة، خاصّة للذين لم يؤقلموا تجارتهم مع العيد، فانتهاء رمضان بالنسبة لهم، هو نهاية العمل وبالتالي جني الأموال. منهم سمير، 22 سنة، وهو طالب جامعي اتخذ من بيع الديول مهنة له في رمضان، وهو الذي دائما يعمل في الصيف، او يحاول أن يجد عملا في الصيف، أما خلال السنة الدراسية فانه يبحث عن أعمال لا تصطدم مع ساعات الدراسة، وأحيانا يوفق، وكثيرا ما لا يوفق، يقول: "الشهر الوحيد الذي اضمن أني سأعمل فيه هو شهر رمضان الكريم، حيث أنّ خالتي مختصة في صنع مادة "الديول"، وقد طلبت مني أن أبيع لها ما تصنعه على أن نتقاسم الأرباح فوافقت، وأنا افعل ذلك من أربع سنوات، لكنني في نهاية كل شهر رمضان اشعر بأنني لن أعثر على فرصة أخرى مناسبة للعمل، فانا لا أكاد أجد الوقت الذي يناسب ساعات الدراسة، وعندما أرى أصدقائي الذين يدرسون والذين يبحثون عن عمل منذ سنوات، ولا يكادون يعثرون على عمل محترم أيئس فعلا". وان كان سمير، على الأقل، يدرس، وربما ينتظره مستقبل مشرق، او على الأقل أحسن من حاضره، فإن غيره من الشباب وحتى المراهقين والأطفال الذين ليس لديهم إلاّ العمل، او ليس لديهم شيء آخر إلا هذه المهن الموسمية التي ويسترزقون منها من مناسبة لأخرى، ومنهم سفيان، 13 سنة، الذي مضت سنة قبل أن يستطيع العمل في بيع الحلويات يقول: "رغم أنني توقفت عن الدراسة لكي اعمل، إلا أنني لا اعثر على عمل، وحتى الأعمال الحقيرة التي لا تحتاج لا إلى علم ولا شيء انقرضت من بلادنا، فآخر محل لصنع الخبز عملت عنده طردني بحجة غلاء المعيشة في السنوات الأخيرة، وفي الحقيقة لم ألمه على ذلك، نظراً لارتفاع أسعار المواد الغذائية، وأنا احتاج إلى هذا العمل خاصّة وان أبي فقد عمله من عشر سنوات، أي أننا نعيش على صدقات المحسنين، وما استطيع أن احصل عليه نهاية كل يوم".