في كل عام، تتفاقم صراعات قديمة، حول العالم، وتبزغ نزاعات أخرى وأحيانا يشهد بعضُها تحسنا، إلا أن غيوم العواصف التي تلوح في أفق 2013 ليس بها نقصان: مرة أخرى، هناك بؤر ونقاط ساخنة قديمة جديدة سوف تشكل تحديا لأمن الناس والاستقرار في جميع أنحاء العالم هذا العام. بطبيعة الحال، قد يوجد تعسفٌ واختلاف في معظم القوائم، حيث أن أولوية شخص ما قد تكون لشخص آخر مسألة جانبية، وصرخة الإنذار المبكر لدى أحد المحللين هي بمثابة نشر الرعب لدى آخر، إلا أن القائمة الحالية للصراعات، التي يتوجب على المجتمع الدولي متابعتُها في عام 2013، ربما لا تختلف عليها اثنان. ما يلي، إذن، هو قائمة الأزمات -العشرة الأوائل- والتي لا تتضمن العنف المرتبط بالمخدرات الجاري في المكسيك، والتوترات في بحر الصين الشرقي، أو احتمال نشوب نزاع في شبه الجزيرة الكورية بعد إطلاق بيونغ يانغ لصاروخ، كما لم نذكر الانتخابات المقبلة في زيمبابوي، والصدمات النفسية الجارية في الصومال، أو الحديث عن الحرب ردا على برنامج إيران النووي، وأي منها يمكن أن تكون بحق ضمن قائمة الأزمات العشرة الأوائل. 1- السودان قد لا يُثير الدهشة أن تكون (مشكلة السودان) على رأس القائمة لأنها لم تنته بعد انفصال الجنوب في 9 جويلية 2011؛ فالحرب الأهلية لا تزال البلاد تعاني منها، مدفوعا بتركيز السلطة والموارد في يد نخبة صغيرة، وتهدد بأن تؤدي إلى مزيد من التفكك، فضلا عن الانقسامات داخل حزب المؤتمر الوطني الحاكم، والغليان الشعبي المتزايد، وانهيار الاقتصاد الوطني المطرد، وكل هذه عوامل تنذر بإخراج البلاد من مسارها. 2- الصراع التركي الكردي ربما تكون برودة الطقس في الجبال خلال فصلي الخريف والشتاء أبطأت من وتيرة القتال المتسارعة بين تركيا والتمرد المستمر من حزب العمال الكردستاني، لكن المؤشرات تبدو مثيرة للقلق في ربيع عام 2013 بالتصعيد في الجولة الحالية من الحرب المستمرّة بين الأتراك والأكراد، بعد مقتل 870 شخصاً منذ منتصف العام 2011 وعقب استئناف الأكراد هجماتهم وإحياء قوات الأمن عملياتهم لمكافحة (الإرهاب)، والتي تعدّ الأكثر دموية من نوعها منذ تسعينيات القرن الماضي. علاوة على ذلك، فإن التوترات السياسية بلغت ذروتها، حيث يأخذ (حزب السلام والديمقراطية) الكردي خطا متزايدا مؤيدا لحزب العمال الكردستاني، كما هدد أردوغان برفع الحصانة عن نواب الحزبين في البرلمان، كما اعتقلت الدولة الآلاف من الناشطين الأكراد بتهمة دعم ما تسميه (إرهاب) حزب العمال الكردستاني، برغم أن العديد منهم لم تُوجَّه لهم اتهاماتٌ بالضلوع في أعمال عنف، كما أوقف الحكومة التركية محادثات السلام السرية التي عقدت مع الأكراد من العام 2005 إلى العام 2011، وتخلى عن مشروع (الانفتاح الديمقراطي) الذي كان قد منح آمالا كبرى من العدل والمساواة لأكثر من 12 مليون كردي. 3- أفغانستان تبدو الحكومة الأفغانية بعيدة كل البعد عن الاستعداد لتحمل المسؤولية عن أمنها عشية الانسحاب المرتقب لقوات (حلف الناتو) في العام 2014، حيث تعاني من الطائفية والفساد، كما استمر تدهور العلاقات مع واشنطن في العام المنصرم، بعد تقارير تفيد بأن القوات الأمريكية أحرقت عشرات النسخ من القرآن الكريم والمواد الدينية الأخرى، وعندما قتل جندي أمريكي في قندهار 17 قرويا من بينهم تسعة أطفال، ومنذ ذلك الحين انعدمت الثقة بين الأفغان والقادة العسكريين الأمريكيين. لاشك أن أفضل ضمان للاستقرار بأفغانستان، هو سيادة القانون خلال الفترة الانتقالية السياسية والعسكرية في عام 2013 وعام 2014، أما إذا فشل هذا، فإن الفترة المقبلة الحاسمة قد تؤدي إلى انقسامات عميقة وصراعات داخل النخبة الحاكمة، والذي قد تستغله حركة طالبان، وفي أسوأ الأحوال، يمكن أن يؤدي إلى تفتيت الأجهزة الأمنية وإحداث حالة من الصراع الداخلي واسعة النطاق. 4- باكستان بدورها تواصل غارات الطائرات الأمريكية بدون طيّار في التسبب في توتر العلاقات مع واشنطن، برغم أن الاعتذار الأمريكي عن استهداف جنود باكستانيين في نوفمبر من عام 2011 وقتل 24 منهم، سمح بإعادة فتح طريق إمدادات قوات (الناتو) في أفغانستان، وبتوحيد جهود باكستانوأفغانستان، لمناشدة المجموعات المسلحة المنتشرة عبر جانبي الحدود مثل طالبان وغيرها لنزع السلاح، والدخول في محادثات السلام. ومع اقتراب إجراء انتخابات جديدة في عام 2013، ينبغي على الحكومة الباكستانية والمعارضة تنفيذ الإصلاحات الرئيسية في اللجنة الانتخابية على وجه السرعة لتعزيز الانتقال إلى الديمقراطية، كما ينبغي على الحزب الحاكم والمعارضة البرلمانية الرئيسية، وجماعة نواز شريف الإسلامية طرح خلافاتهم السياسية جانبا والتركيز على منع الجيش من التدخل في الحياة الديمقراطية، والذي يبدو عازما على زعزعة استقرار النظام السياسي، ويجب أيضا ألا يسمح لتقويض فرصة للبلاد لنقلها سلمي للسلطة من حكومة منتخبة إلى أخرى من خلال انتخابات ذات مصداقية. 5- الساحل الإفريقي: مالي ونيجيريا في عام 2012، زادت حالة عدم الاستقرار في منطقة الساحل الإفريقي في عدد من الجبهات، في مالي (حيث أطاح انقلاب عسكري الحكومة وتولى أمور البلاد في الشمال) يأتي على رأس قائمة من المشاكل الإقليمية، مع توقع التدخل العسكري الأجنبي بعد نشر قوة دولية في الصحراء، كما تشهد منطقة الساحل أيضا صراعاً آخر مثيراً لقلق عميق في شمال نيجيريا، حيث اتهم فيه جماعة إسلامية متشددة (بوكو حرام) بالتسبّب في آلاف الوفيات في السنوات الأخيرة. 6- الكونغو من المؤكد أن أحداث السنة المنصرمة (2012) تنذر في الكونغو الديمقراطية، بأن القادم أسوأ على صعيد الأوضاع الإنسانية في البلاد، حيث تصاعدت وتيرة التمرد في المناطق الشرقية، خاصة عبر حركة (أم 23) التي سيطرت على مدينة غومي، ما يعيد إلى الذاكرة مشاعر وظروف الحرب الأهلية، لذا ينبغي على المجتمع الدولي أن تعمل على دعم الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وتحقيق شرعية للحكومة حيث أن الوضع يسير من سيء إلى أسوأ، وأن البلاد لا تزال فريسة لأهواء الجيران المفترسة. 7- كينيا على الرغم من الإصلاحات لمعالجة أوجه القصور، فإن العنف الذي وقع في انتخابات عام 2007 في كينيا، لا تزال عوامله قائمة، حيث تنتشر البطالة بين الشباب، والفقر، وعدم المساواة، كما توقف إصلاح قطاع الأمن، ونزاعات تعميق الاستقطاب العرقي، ولاسيما في ظل اقتراب الانتخابات المقررة في مارس 2013 . 8- سوريا ولبنان في خضم استمرار الصراع في سوريا في التنقل بين عدّة جولات بشعة، تبتعد الحلول السياسية لصالح الرهان على الحلول العسكرية، فضلا عن أن الاستقطاب في المجتمع السوري والطائفية آخذة في النماء والتفاقم، ولا شك أن هذا الوضع لا يمكن تجنب آثاره السلبية على لبنان المجاور، حيث تعيش بيروت دائما تحت تأثير دمشق، خاصّة مع اهتزاز البنى الحاكمة في لبنان، ما ينشأ عنه سرعة تأثر البلد بالفوضى الآتية من الجوار. 9- آسيا الوسطى أما هذه المنطقة فتوفر قائمة من البلدان التي توجد على حافة الهاوية, مثل طاجكستان التي لا يوجد بها أنباءٌ سعيدة يمكن تناقلها في عام 2013، حيث أن علاقاتها تدهورت مع أوزبكستان، كما تصاعدت الصراعات الداخلية التي تغذِّي المطالب الانفصالية في شرق البلاد، أما قرغيزستان فلم تكن أفضل حالاً، حيث تنهش فيها الصراعات العرقية، على ضوء ضعف الحكومة المركزية، ولا مبالاة الخارج بمؤشرات تنذر بالأسوأ. كما تعيش أوزبكستان أزمة عدم وضوح مستقبل حاكمها، بعد الرئيس الحالي إسلام كاريموف (74 عاما), الذي حكم البلاد لعقود طويلة، وتعاني كذلك كازاخستان من تصاعد المظالم الاجتماعية والاقتصادية، بينما تحاول طرح نفسها كجزيرة استقرار في ظل الاضطراب الذي يشيع في المنطقة. 10- العراق مع انحدار سوريا نحو الفوضى العميقة، فإن السكاكين تُشحذ نحو الانجرار في المعارك بالعراق، الذي اختارت حكومته الشيعية الوقوف إلى جانب روسيا والصين وإيران، بوجه الولاياتالمتحدة وتركيا ودول الخليج, وإذا انزلقت سوريا إلى حرب طائفية فإن التوترات ستزيد في العراق، ومن شأنها أن توقعه مجدداً في جولة أخرى من الصراع الداخلي في 2013، حيث أن رئيس الحكومة العراقية، المالكي، يواجه معارضة قوية من الأكراد ليس هذا فحسب ولكنه كذلك يقاوَم من السنة والعلمانيين وكذلك مقتدى الصدر رجل الدين الذي ينتمي إلى معسكره الشيعي. * في كل عام، تتفاقم صراعات قديمة، حول العالم، وتبزغ نزاعات أخرى وأحيانا يشهد بعضُها تحسنا، إلا أن غيوم العواصف التي تلوح في أفق 2013 ليس بها نقصان: مرة أخرى، هناك بؤر ونقاط ساخنة قديمة جديدة سوف تشكل تحديا لأمن الناس والاستقرار في جميع أنحاء العالم هذا العام. بقلم: لويز أربور