كما يقال لكل شي آفة وآفة العبادة أن تتحول إلى مجرد عادة تؤدى من قبل أصحابها دون أن تترك وراءها أثرا فعليا على شخصية المتعبد، مهما كانت أنواع العبادات التي نؤديها، ومنها شعيرة الصيام في شهر رمضان الذي يعتبر شهرا للرحمة والمغفرة يعيش أيامه كل الجزائريين والمسلمين للتقرب إلى الله بالصيام والإكثار من تلاوة القرآن، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هل هناك تغيير في صورة رمضان مع تتابع السنين، وهل لا زال الجزائريون يحافظون على التقاليد والعادات الطيبة في هذا الشهر الفضيل؟. وللإجابة عن هذا السؤال ارتأينا أن نتحسس ذلك من آراء المواطنين فيما يخص هذه التغييرات الحاصلة، فما كان منا سوى النزول إلى الشارع، حيث تبدأ حركة السكان الذين كانوا محتجزين في بيوتهم طيلة النهار هروبا من الحر، وتجمعوا في الحدائق العمومية وبالقرب من المحلات لشراء بعض المكملات والبعض الآخر لزم المسجد لتلاوة القرآن الكريم قصد التزود بالأجر ساعات قبل وقت الإفطار، ومن بين الأماكن التي قصدناها حديقة (الساعة) وكذا (صوفيا)، حيث تقصدها فئات مختلفة من الشباب والكهول وحتى الشيوخ كل واحد منهم منهمك بمشاغله وهواه، فمنهم من انشغل بتلاوة القرآن الكريم، ومنهم من انشغل بتبادل أطراف الحديث مع الأصدقاء والزملاء. اقتربنا منهم مغتنمين فرصة وجودهم هناك من أجل الاستفسار عن بعض العادات والتقاليد التي لا زلنا نتوارثها بمجرد حلول شهر رمضان المعظم، والتي تختلف من منطقة إلى أخرى حسب اختلاف الولايات، ولكن هل تختلف أو تتوافق بين منطقة وأخرى في شهر رمضان المبارك؟. فهناك العادات والتقاليد الدينية المتعلقة بالعبادة وتلاوة القرآن الكريم والاعتكاف وأداء الصلوات الخمس والتراويح إلى جانب العادات الاجتماعية كصلة الرحم والعزومات، إضافة إلى التشابه في عادة تزيين البيوت ونظافتها من خلال تغيير الديكور وشراء مستلزمات جديدة، وحتى العادات السيئة تكون حاضرة في هذا الشهر منها الإكثار من الطعام على مائدة الإفطار والتي تؤدي للتبذير والاستدانة. في هذا السياق أجابنا عمي فتحي وهو رجل في الستينيات بقوله: (رمضان اليوم غير رمضان الأمس نتيجة التغيير الحاصل في الكثير من العادات التي تعايشنا معها في زمننا، والتي تكاد تندثر من ذاكرة الأجيال الحديثة، حيث تم استبدال اجتماع الأقارب والجيران في الوقت الحاضر بوسائل الاتصال الحديثة، حيث انشغل الناس ولم يعد رمضان مثلما كان عليه في السابق فرصة لتعزيز أواصر القربى والرحم). من جهة أخرى تأسف الحاضرون الذين كانوا بالقرب منه، وهم من الجيل نفسه عن التحول الحاصل عند الكثيرين من سهر وترفيه والجلوس أمام الفضائيات التي تعرف تنوعا في برامجها المختلفة، حيث تتنافس في تقديم كل ما هو غير لائق وشعائر هذا الشهر الفضيل، وفي السياق نفسه أضاف لنا مواطن آخر السيد مصطفى بقوله: (أصبحت في الوقت الحاضر كل العائلات تعاني من مرض التبذير والإسراف في مائدة الإفطار مما يتنافى مع فضائل هذا الشهر الكريم على عكس ما كان في القديم حيث كان شهر رمضان يمثل شهر الصيام والقيام والعبادات والطاعات، وليس شهر التبذير والسهر ومشاهدة المحرمات). من جهة أخرى أبدى مواطن آخر رأيه والذي كان مماثلا لرأي أصدقائه، إذ اعتبر أن الفرق شاسع وكبير في العادات والتقاليد الخاصة بهذا الشهر بين الحاضر والماضي، ليضيف: (هناك فرق كبير بين الحاضر والماضي فيما يخص العادات والتقاليد، فالجيل الحالي همه الوحيد هو النوم في النهار والسهر في الليل، لينام في الفجر، بينما نحن في السابق كنا نقوم الليل ونستيقظ وقت الفجر لأداء العبادات والسعي لطلب الرزق، صحيح أننا لسنا من الجيل نفسه هذا ما أدى إلى حدوث هذه الثغرات فلكل جيل نمط معيشته خاصة أمام التطور التكنولوجي الذي حول حياة الإنسان وأثر عليها، ولكن هذا الشهر لم يكن يوما للسهر والنوم بل للعبادة والتسابق لكسب الحسنات وإحياء المجالس الدينية في الوقت الذي تكاد تنعدم فيه حاليا). فبالرغم من الاختلاف الحاصل في الزمان والمكان وتغير في الأحوال إلا أن سحر ونكهة شهر رمضان تبقى حتى وإن اختلفت طريقة عيش أيام وقيام لياليه، فإن اندثرت عند البعض عادات حميدة فإنها لا تزال موجودة عند البعض الآخر من العائلات التي لا تزال محافظة عليها رغم التغيير الحاصل.