لكل أمة أيام تتخذها أعيادا تظهر فيما بمظاهر الفرح والسرور والابتهاج وتستريح فيها من متاعبها وسعيها المنهك لقواها فتستعيد بذلك نشاطها وتستأنف العمل من جديد بقوة وعزيمة. وقد شرعت في الإسلام الأعياد تلبية لحاجة الإنسان الفطرية مادية وروحية، فمقصد الإسلام الأسمى في تشريعاته وأحكامه هو ضبط العلاقة بين الروح والجسد وبين الدنيا والآخرة فقال تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص:77] فالأعياد الدينية تحيي المشاعر وتذكر الناس بما بسطه الله عليهم من النعم الوافرة وبما وفقهم إليه من القيام بأعباء ما كلفوا به، ولذلك كانت مشروعيتها أبلغ مظهر من مظاهر شكر الله على إنعامه. ويعد عيد الفطر من أعياد الإسلام التي مثلت هذا الانسجام بين الدنيا والآخرة، ولذلك استحب الاحتفاء به، والترويح عن النفس من هموم الحياة فيه، فقد جاء في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان في كل سنة يلعبون فيهما، فقال صلى الله عليه وسلم: (قد أبدلكم الله تعالى بهما خيرا منهما يوم الفطر ويوم الأضحى) سنن النسائي 1/542. والحكمة من عيد الفطر هي إظهار شكر الله على ما أنعم به على المسلم من أداء فريضة الصيام على أكمل وجه، وأي عمل يبتهج به المسلم أهم من القيام بما فرضه الله عليه؟ وبذلك سما الإسلام بمعنى العيد، إذ ربط فرحته بالتوفيق في أداء الفرائض وشكر الله على القيام بها وقد سن الله تعالى في عيد الفطر صلاة العيد، وأمر أن يخرج الناس إليها وعليهم مظاهر الفرح والترفه والابتهاج حتى ترى نعمة الله عليهم. وصلاة العيد تعد مظهرا من مظاهر الفرحة فترتفع الأصوات فيها بالتكبير في بهجة وسرور، وقال تعالى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة:185] والتكبير هو التعظيم، والمراد به في تكبيرات العيد تعظيم الله عز وجل على وجه العموم، وذلك في كلمة: (الله أكبر) كناية عن وحدانيته بالألوهية لأن التفضيل يستلزم نقصان من عداه والناقص غير مستحق للألوهية: ولذلك شرع التكبير في الصلاة إبطالا لعبادة غير الله، وإشعارا بوحدة الأمة وإظهارا للعبودية وامتثالا وبيانا لقوله سبحانه: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم:30] وفيه خص النبي صلى الله عليه وسلم النساء بمزيد عناية واهتمام، فقد أمرهن بالخروج إلى صلاة العيد مهما كانت أحوالهن، فعن أم عطية رضي الله عنها أنها قالت: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تخرج في الفطر والأضحى العواتق والحيض وذوات الخدور، فأما الحيض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين، قلت: يا رسول الله، إحدانا لا يكون لها جلباب قال: (لتلبسها أختها من جلبابها) صحيح البخاري 1/123. ومن مظاهر شكر الله تعالى في هذا اليوم إخراج صدقة العيد لتغني المحتاجين عن ذلك السؤال في هذا اليوم السعيد، فقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على إخراج زكاة الفطر، فقال: (أغنوهم في هذا اليوم) (سنن الدار قطني 2/152) وبذلك تكون هناك غاية أخرى من عيد الفطر ألا وهي إدخال السرور والبهجة على المسلمين رجالا ونساء وأطفالا، وناهيك بما في ذلك من معان للتكافل الاجتماعي، وبذلك يصبح البر قضية اجتماعية عامة. ومن باب السرور والبهجة في أيام العيد السماح باللعب المباح، وهو ما لا يلهي عن أداء الواجب في وقته، فقد دخل أبو بكر رضي الله عنه على عائشة رضي الله عنها، وعندها جاريتان في أيام منى تغنيان وتضربان الدف، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مسجي بثوبه، فانتهرهما أبو بكر، فكشف رسول الله عن رأسه وقال: (دعمها يا أبا بكر إن لكل قوم عيدا، وإن عيدنا هذا اليوم) صحيح البخاري 1/335. وفي الأعياد أيضا دعا الإسلام إلى العمل على زيادة الأواصر الاجتماعية، إذ حث على بر الوالدين وصلة الأقارب ومودة الأصدقاء وزيارتهم، فتتزين المجالس بالحب والتراحم والتواد، وتزول الأحقاد والمشاحنات والنفرة من النفوس. وفرحة العيد في أيامنا هذه لن تكتمل إلا بالتكاتف والتعاون والتواصل والظهور بالمظهر الحسن ونبذ الفرقة، والتسامح والعفو وشعور جميع أفراد الأمة بهذه الصلات التي تجمع بينهم داخل المجتمع الواحد وعلى مستوى الأمة قاطبة صلات الدين الواحد والثقافة المتلاقية والتاريخ المشترك والمستقبل الواحد.. هكذا تكتمل فرحتنا بالعيد وهكذا يكون شكرنا لله سبحانه على ما جمعنا عليه من فريضة الصيام ومن فرحة العيد في جميع أرجاء الأمة الإسلامية، بل في العالم أجمع.