على صفحات شبكة (أسوشيتد برس) كتب (تودي بيتمان) الصحافي بالأسوشيتد برس - مقالاً حول أوضاع المسلمين في أعقاب الاعتداءات الدامية بميانمار، وتهجيرهم من ديارهم، والتحدِّيات التي تَختبر ديمقراطية نظام الدولة، يقول فيه: لم يعد هناك أحد من المؤمنين المسلمين بالمساجد الرئيسة بهذه القرية المُهدَّمة، ولم يَعُد هناك طلاب مسلمون بجامعتها، لقد اختفوا من الأسواق، وأصبحوا مُفتقدين بالميناء، وصاروا مرعوبين من مجرد السير بأيٍّ من شوارع وسط البلد. فبعد أشهر ونصف من المصادمات الأكثر دمويَّة في التاريخ بين البوذيين من عِرقية الراكين بميانمار، والمسلمين غير حاملي الجنسية المعروفين باسم "الروهينجا" - تُرِكت قرية "سيتوي Sittwe " الغربية مليئة بألسنة اللهب، ولا أحد يعلم تحديدًا متى أو حتى إذا ما كان الروهينجا سيُسمح لهم باستئناف حياتهم التي عاشوها من قبلُ هنا. لقد غيَّر الصراع بصورة جذرية المشهدَ الجغرافي لعاصمة الدولة الساحلية، مما فتح الطريق أمام سياسة مزعجة لعزْلٍ مدعومٍ حكوميًّا، بما يتعارض بشدة مع الإصلاحات الديمقراطية التي وعدت العالمَ بها حكومةُ ميانمار، وهذا منذ أن انتهى مرور نصف قرن على الحكم العسكري العام الماضي. وفي الوقت الذي يتحرك فيه (الراكين)ر بحرية، حُبس نحو 75 ألفًا من مسلمي (الروهينجا) بصورة مأساوية بمعسكر خارج (سيتوي)، وذلك من خلال سلسلة من التهجير القروي في مقاطعة واحدة بوسط البلد، لا يَجرؤون على مغادرتها؛ خشية التعرُّض للاعتداءات. وبالنسبة إلى مواطني القرية من المسلمين، فإن حياتهم تُعتبر حياة إقصاءٍ وتمييزٍ، وتعتبر أي شيء سوى المساواة، فقد قال ثانت سين أحد أصحاب المحلات الروهينجا، الذي اختبأ منذ جويلية الماضي بالحي الذي يَقطنه أغلبية من الروهينجا بوسط سيتوي، التي لم تَلتهمها النيران (نحن نعيش كالمساجين هنا). وبسبب الخوف من مغادرة المكان، فإن الرجل البالغ 47 عامًا لا يستطيع أن يمارس أيَّ عملٍ، فما تزال الأبواب الزرقاء الخشبية المُوصدة لمتجر بيع الأدوية الخاص به، مهجورة وحيدة داخل السوق الرئيس بالمدينة، الذي يعتبر مكانًا غير مسموح للروهينجا دخوله الآن. تعود الأزمة في غرب ميانمار إلى عقود للوراء، وتمتدُّ جذورها في نزاعٍ جدلي كبير حول حقيقة الإقليم الذي جاء منه السكان المسلمون، وبالرغم من أن العديد من الروهينجا عاشوا في ميانمار لأجيال، فإنهم يُعاملون بصورة سيِّئة؛ لاعتبارهم أجانبَ دُخلاءَ، أتَوا من دولة بنجلاديش المجاورة للاستيلاء على الأراضي. تُقدِّر الأُمم المتحدة عددهم بنحو 800 ألف، إلا أن الحكومة لا تعتبرهم أحد المجموعات العرقية بالدولة التي تبلغ 135 مجموعة عرقية، كما أن بنجلاديش حرَمتهم من الحصول على الجنسية والمواطنة، وتؤكد مجموعات حقوق الإنسان أن العنصرية تلعب دورًا في هذا، فالعديد من الروهينجا الذين يتكلمون بلهجة بنجالية متميزة، ويُشبهون مسلمي بنجلاديش، لديهم لون جلد أكثر سوادًا، ويتعرَّضون للتمييز ضدهم بصورة كبيرة. وعند اندلاع المواجهات أشارت التقديرات المتحفظة إلى أن حصيلة القَتلى بلغت 100 قتيل على مستوى الدولة، بالإضافة إلى حرْق 5000 مسكن، بالإضافة إلى العشرات من المساجد والأدْيِرة. لقد عانت سيتوي من حجم أكبر من الدمار مقارنةً بغيرها، واليوم تَنتشر في كل مكان رُقَع الأراضي السوداء المليئة بحُزَم الأشجار المعقدة، وأكبر هذه الرُّقَع تُدعى (نارزي)، التي اعتُبرت وطنًا ل10000 مسلم. وقد اتَّهمت منظمة (هيومن رايتس ووتش) القوات الأمنية بالتواطؤ مع عصابات الراكين في وقائع الاعتداءات والتشويه، من خلال فتح النيران على الروهينجا، حتى في الوقت الذي كانوا يحاولون جاهدين إطفاءَ ألسنة اللهب عن منازلهم المُحترقة. وفي داخل مستشفى سيتوي المحلية الوحيدة، يوجد قسم تَمَّ تأسيسه لخدمة المرضى المسلمين فقط، إلا أنه في أحد الأيام القريبة لم يكن فيه سوى أربعة مرضى من المسلمين، الذين قالت أُسرهم: إنهم لا يستطيعون الذهاب إلى هناك إلا في حراسة الشرطة. وأما في جامعة القرية، فالمواطنون الراكين هم فقط مَن يَحضُرون الآن، وفي السوق الرئيس يُطلب بطاقات الهُوية البلاستيكية للدخول؛ هذه البطاقات ذات لونٍ وردي لأصحاب المحلات، وأصفر للعُملاء، ولا شيء للروهينجا. وبالرغم من احتواء المصادمات، وتعيين لجنة مستقلة لدراسة الصراع والتوصية بالحلول، فإن الحكومة أظهرت القليل من الإرادة السياسية للتقدم. إن مشكلة الروهينجا تُعتبر قضية غير مشهورة بعُمقٍ في ميانمار، حتى إن زعيمة المعارضة آنج سان سون كي المعتقلة السياسية السابقة، التي سجنها الجيش - فشِلت في التحدث نيابةً عنها، وفي جويلية الماضي اقتَرح ثين سين نفسه أن يتمَّ إرسال الروهينجا إلى أي دولة أخرى ترغب في الحصول عليهم. وفي هذا الصدد قال ماثيو سيمث - الباحث لمنظمة (هيومن رايتس ووتش)، الذي كتب تقريرًا للمنظمة التي مقرها نيويورك حول عدم الاستقرار الأخير -: (في إطار ذلك السياق، نحن نراهم معزولين في معسكرات قذِرة، أو يَفِرُّون خارج البلاد، وفي بعض الحالات يُجمَعون ويُسجنون). وبالرغم من أن النازحين الراكين على مستوى الدولة، انخفَض من نحو 24 ألفًا في بداية هذه الأزمة إلى 5600 في هذه الأيام - فإن عدد الروهينجا المهجَّرين ارتفع من 52 ألفًا إلى 70 ألفًا، ويقع غالبهم في معسكرات الإيواء خارج سيتوي. وقد ألقت الحكومة باللَّوم على الروهينجا أنفسِهم؛ حيث زعمت أنهم لم يَفقدوا ديارهم، ولكنهم أرادوا الحصول على المساعدات، ومع ذلك فإن (فقْد الأمن) يعتبر عنصرًا محتملاً، ومن ناحية أخرى، فقد اتَّهمت منظمة العفو الدولية السلطات بحجز المئات من الروهينجا أثناء ممارسات القمع التي أعقَبت الصراع، والتي غالبًا ما استهدَفت المسلمين فحسب. مسلمو ميانمار يطالبون حكومة البلاد بحمايتهم دعت المنظمات الرئيسية للمسلمين في ميانمار، حكومة البلاد إلى توفير الحماية لهم من الاضطهاد الذي يتعرضون له وذلك عقب مقتل أربعة مسلمين وإحراق مسجد في ولاية راخين. وقال بيان مشترك أصدرته أكبر أربع منظمات للمسلمين (تشعر الأقلية المسلمة بعظيم الأسى بعد تعرضها لهجوم، وإننا نعيش الآن في حالة من الخوف)، داعية الحكومة إلى حماية أرواح جميع السكان وممتلكاتهم. وبدأت أحدث جولة من العنف الطائفي السبت الماضي في بلدة تاندوي شمال غرب العاصمة رانجون وامتدت إلى قرى قريبة مع حلول يوم الثلاثاء الماضي. وقال مسؤول في شرطة ولاية رانخين إنه (طبقا لتقارير أولية قتل أربعة أشخاص على الأقل لكن الرقم لا يمكن تأكيده نظرا إلى أن العنف شمل منطقة واسعة) بينما ذكرت تقارير أخرى أن امرأة مسلمة واحدة قتلت في الاضطرابات. وتأتي أعمال العنف هذه في الوقت الذي يقوم فيه رئيس ميانمار ثين سين بزيارة لولاية راخين الواقعة غرب البلاد لأول مرة منذ اندلاع أعمال العنف الطائفي بها منذ أكثر من عام، التي أودت بحياة العديد من الأشخاص ونزوح آلاف الآخرين. يشار إلى أن ميانمار - وهي دولة ذات أغلبية بوذية - تشهد صراعا بين البوذيين والمسلمين أودى حتى الآن بحياة مئات الأشخاص، كما أدى إلى تشريد مئات الآلاف الآخرين غالبيتهم من المسلمين وذلك منذ شهر جوان لعام 2012.