تقف أزمة السكن عائقا أمام الكثير من الشباب الذين يلجؤون إلى ترك منازلهم متجهين إلى ولايات أخرى من الوطن بحثا عن لقمة العيش، حيث يختار الواحد منهم الولاية التي تتهيأ فيها الظروف المعيشية التي تتناسب مع إمكانياته والعمل المتحصل عليه إلا أن الواقع المعاش بات يعكس حياة ما خلف الستار .. رحلة معاناة طويلة، يواجهها المئات من الشباب، الذين توافدوا على العاصمة من مناطق متفرقة من أجل البحث عن فرصة للعمل والخروج من دائرة البطالة والعوز، لكن المشكل الحقيقي الذي يعترض سبيلهم هو السكن والظفر بمكان لائق للإقامة فيه ريثما يتحسن وضعهم المادي، وبعد أن كان الأمر يقتصر في الماضي على فئة الذكور، أصبحت الآن حتى الإناث ينافسن الرجال في البحث عن غرف للكراء تلائم دخلهن الشهري.. فمن خلال خرجتنا الميدانية التي قادتنا إلى مناطق متفرقة من الجزائر العاصمة استطعنا أن نتواصل مع مجموعة معتبرة من الأشخاص المتوافدين إلى العاصمة بغية العمل وكسب لقمة العيش التي لم تتوفر لهم بولايتهم غير أن قسوة الحياة لم تترك فردا إلا وتركت له آثارا في حياته من خلال مروره بتجارب حتى وإن لم يرغب في خوضها فهو ملزم بتحملها لأن الواقع المعاش يفرض ذلك، ولعل من بين الصعوبات الأولية التي تقف عائقا في وجه هذه الفئة من الطلاب أو العمال نجد مشكل السكن وأين يكون الاستقرار من أجل البدء في العمل فهذه النقطة تعتبر مهمة ومن بين الأولويات التي يجب أن يوضع لها ألف حساب قبل المجازفة، حيث يضطر الأغلبية من المتوافدين إلى كراء المنازل، هي معاناة اشترك فيها الأجانب من العمال الذين حاولوا تحدي ظروفهم الصعبة في الإقامة بأماكن تفتقد لأدنى متطلبات الحياة، لكنها تتوافق مع دخلهم اليومي. في هذا الشأن أكد لنا جل من تحدثنا إليهم أنه بالرغم من صعوبة التأقلم مع وضعية عملهم الجديدة بغياب محل الإقامة، إلا أنهم استطاعوا بمختلف أعمارهم وظروفهم أن يتحدوا الظروف الصعبة ومواجهة العراقيل، قاطعين مسافات طويلة للعمل بالعاصمة ليصطدموا بشبح أزمة السكن فمنهم من اضطروا للبقاء بورشات العمل بالرغم من افتقادها لمتطلبات الحياة كتضحية منهم لتوفير ما يتقاضونه من راتب يومي بسيط لإعالة أسرهم، في حين لم يجد آخرون سوى النوم ببعض الحمامات الشعبية بالرغم من أنها مخصصة لغرض الاستحمام إلا أن مالكيها استغلوا حاجة العمال سواء المحليين أو الأجانب كمكان للإقامة، وقد حوّلوها لغرف تأوي فئات مختلفة من العاملين محدودي الدخل القاطنين بالولايات البعيدة، والذين حاولوا التخلص من شبح البطالة بقطع مسافات طويلة لكنهم وقعوا في مشكل السكن الذي بات يعترض طريقهم بغلاء أسعار تأجير الغرف بالفنادق، فلم يجدوا سوى تلك الحمامات التي تفتح أبوابها ليلا لتأويهم بأسعار مغرية تتوافق مع دخلهم، حيث لمسنا الازدحام على هذا المكان من قبل فئات مختلفة من العمال، وقد كان لنا لقاء مع صاحب أحد الحمامات بمدينة الشراقة الذي أفادنا أنه لا عيب في تقديم الدعم لهؤلاء الأشخاص باعتبارهم محتاجين لذلك حيث أخبرنا أن نشاط الحمام يتحول من مكان للاستحمام إلى مأوى للعمال البسطاء بحلول الظلام، كما أضاف لنا أنه يجذب أكبر عدد من الزبائن ليلا من العمال الذين يفضلون إدخار راتبهم على إنفاقه بغرف الفنادق أو بكراء منزل من المنازل، وعن المقابل الذي يتقاضاه من العمال فيقول إنه يطلب منهم تقديم من 100 دج إلى 150دينار للنوم بالمكان حيث تنتهي مهمته بتوفير الأغطية لهم لا أكثر. من جهة أخرى نجد أن معاناة الإقامة لم تقتصر على فئة العمال من الرجال بل تعدتهم لتصل إلى بنات حواء حيث التقينا ببعض الشابات اللواتي قمنا بكراء غرفة لدى إحدى السيدات التي قامت بوضع منزلها تحت تصرف هؤلاء مقابل مبلغ مالي يقدم شهريا، حيث يتراوح ما بين 7000 دج إلى 8000 دج وفي هذا الشأن أجابتنا (إلهام) البالغة من العمر 26 سنة من خلال قولها: (لقد ساهمت هذه العملية في تجنبنا الوقوع في أزمة السكن ومشكل المبيت إلا أن الوضع لا يخلو من المشاكل نتيجة تقاسم غرفة واحدة مع مجموعة من الشابات التي تختلف طريقة تفكيرهن من واحدة إلى أخرى إلا أنه حل أحسن من لا شيء).