نواصل مع الوقفات المهمة التي بدأنا بها في المرة السابقة، في تعداد الخير والفضل الذي يمكن اغتنامه من هذا الفصل الخيّر. الوقفة السادسة: من أحكام الطهارة في الشتاء 1- ماء المطر طهور: يرفع الحدث ويزيل الخبث قال تعالى: {وَأَنَزَلنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً} [الفرقان:48]. 2- إسباغ الوضوء في البرد كفارة للذنوب والخطايا: والإسباغ مأمور به شرعاً عند كل وضوء. 3- يكثر في فصل الشتاء الوَحَلُ والطين فتصاب الثياب به ممّا قد يُشكِل حكم ذلك على البعض. فالجواب: أنّه لا يجب غسل ما أصاب الثوب من هذا الطين، لأنّ الأصل فيه الطهارة. وقد كان جماعة من التابعين يخوضون الماء والطين في المطر ثم يدخلوا المسجد فيُصلون. لكن ينبغي مراعاة المحافظة على نظافة فُرش المسجد في زماننا هذا. 4- يكثر في الشتاء لبس النّاس للجوارب والخفاف ومن رحمة الله بعباده أن أجاز المسح عليهما على رأي بعض الفقهاء في الجوارب إذا لُبسا على طهارة وسترا محل الفرض، للمقيم يوماً وليلة - أي أربعاً وعشرين ساعة - وللمسافر ثلاثة أيّام بلياليهن - أي اثنتان وسبعون ساعة - وتبدأ المدة من أول مسح بعد اللبس على الصحيح وإن لم يسبقه حدث بأن يمسح أكثر أعلى الخف فيضع يده على مقدمته ثمّ يمسح إلى ساقه، ولا يجرى مسح أسفل الخف والجورب وعقبه، ولا يُسن. ومن لبس جورباً أو خفاً ثمّ لبس عليه آخر قبل أن يحدث فله مسح أيّهما شاء. وإذا لبس جورباً أو خُفاً ثمّ أحدث ثمّ لبس عليه آخر قبل أن يتوضأ فالحكم للأول. وإذا لبس خُفاً أو جورباً ثمّ أحدث ومسحه ثمّ لبس عليه آخر فله مسح الثاني على القول الصحيح. ويكون ابتداء المدة من مسح الأول. وإذا لبس خُفاً على خُف أو جورباً على جورب ومسح الأعلى ثمّ خلعه فله المسح بقية المدة حتى تنتهي على الأسفل. 5 - من مخالفات الطهارة في الشتاء: أ - بعض النّاس لا يسبغون الوضوء لشدة البرد بل لا يأتون بالقدر الواجب حتى إنّ بعضهم يكاد يمسح مسحاً. وهذا لا يجوز ولا ينبغي. ب - بعض النّاس لا يسفرون أكمامهم عند غسل اليدين فسراً كاملاً - أي يكشفون عن موضع الغسل كشفاً تاماً - وهذا يؤدي إلى أن يتركوا شيئاً من الذراع بلا غسل، والوضوء معه غير صحيح. ج - بعض النّاس يُحرَجُون من تسخين الماء للوضوء وليس معهم أدنى دليل شرعي على ذلك. الوقفة السابعة: من أحكام الصلاة في الشتاء 1 - الجمع بين صلاتي الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء في وقت إحداهما سنة إذا وجد سببه وهي المشقة في الشتاء، من مطر أو وحلٍ أو ريح شديدة باردة، وهي رخصة من الله عز وجل والله يحب أن تؤتى رخصه. وتفصيل أحكام الجمع مبسوطة في المطولات. 2 - من مخالفات الصلاة في الشتاء: أ - التلثم: صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يغطي الرجل فاه. فينبغي للمسلم إذا دخل المسجد أن يحل اللثام عن فمه، ولا بأس أن يغطي فمه أثناء التثاؤب في الصلاة ثمّ ينزع بعده. بل هو المشروع سواءً أكان باليد أم بشيء آخر. ب - الصلاة إلى النّار: يكثر في الشتاء وضع المدافئ في المساجد أو في البيوت وتكون أحياناً في قبلة المصلين. وهذا ممّا نص أهل العلم على كراهته لأنّ فيه تشبهاً بالمجوس، وإن كان المصلي لا يقصد ذلك ولكن سداً لكل طريق يؤدي إلى مشابهة المشركين. 3 - الصلاة على الراحلة أو في السيارة: جائزة خشية الضرر إذا خاف الضرر وإذا خاف خروج وقتها وهي ممّا لا يجمع مع غيرها في الشتاء. قال ابن قدامة في المغني: (وإن تضرر في السجود وخاف من تلوث يديه وثيابه بالطين والبلل فله الصلاة على دابته ويؤمئ بالسجود). الوقفة الثامنة: الدعاء في الشتاء 1 - عند رؤية الريح: (اللّهم إنّي أسألك خيرها وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما أرسلت به). 2 - عند رؤية السحاب: (اللّهم إنّي أعوذ بك من شرها). 3 - عند رؤية المطر: (اللّهم صيباً هيئاً) أو (اللّهم صيباً نافعاً) أو (رحمة) ويستحب للعبد أن يكثر من الدعاء عند نزول المطر لأنّه من المواطن التي تطلب إجابة الدعاء عنده. 4 - إذا كثر المطر وخيف منه الضرر: قال: (اللّهم حوالينا ولا علينا، اللّهم على الآكام والظرب وبطون الأودية ومنابت الشجر). فائدة: يستحب للمؤمن عند أول المطر أن يكشف عن شيء من بدنه حتى يصيبه (لأنّه حديث عهد بربّه) هكذا فعل النبي وعلل له. الوقفة التاسعة: النّار في الشتاء ينبغي للمؤمن أن يحذر في الشتاء وغيره من إبقاء المدافىء بأنواعها مشتعلة حالة النوم لما في ذلك من خطر الاحتراق، أو الاختناق. جاء في البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنّ هذه النّار إنّما هي عدو لكم فإذا نمتم فاطفئوها عنكم) وفي رواية: (لا تتركوا النّار في بيوتكم حين تنامون) والسلامة في اتباع النبي صلى الله عليه وسلم. الوقفة العاشرة: فرح السلف بالشتاء قال عمر رضي الله عنه: (الشتاء غنيمة العابدين). وقال ابن مسعود: (مرحباً بالشتاء تتنزل فيه البركة ويطول فيه الليل للقيام، ويقصر فيه النهار للصيام). وقال الحسن: (نعم زمان المؤمن الشتاء ليله طويل يقومه، ونهاره قصير يصومه). ولذا بكى المجتهدون على التفريط - إن فرطوا - في ليالي الشتاء بعدم القيام، وفي نهاره بعدم الصيام. ورحم الله معضداً حيث قال: (لولا ثلاث: ظمأ الهواجر، وقيام ليل الشتاء، ولذاذة التهجد بكتاب الله ما باليت أن أكون يعسوباً). هذا خبر من قبلنا، أمّا خبر أهل زماننا فنسأل الله أن يصلح الأحوال، تضييع للفرائض والواجبات، واجتراء على حدود ربّ الأرض والسموات، وسهرٍ على ما يغضب الله، ويظلم القلب، ويطفىء نور الإيمان. فيا إخوتاه.. جدّوا في طلب مرضاة الرحمن في ليال الشتاء الطوال وفي غيرها.. وأكثروا من صيام نهاره. فقد قال صلى الله عليه وسلم: (الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة)، إيه وربّي إنّها لغنيمة فأين المشمرون المخلصون؟! الوقفة الحادية عشرة: أحاديث ضعيفة في الشتاء تتردد على ألسنة بعض النّاس من العامة، ومن أهل الصحافة أحاديث ضعيفة بل باطلة سنداً ومعنى ومتناً وإن كان منها ما معناه صحيح لكن لا يصح رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومنها: 1 - (الشتاء ربيع المؤمن). 2 - (أصل كل داء البرد). 3 - (إنّ الملائكة لتفرح بذهاب الشتاء لما يكون على الفقراء من الشدة والبلاء). 4 - (اتقوا البرد فإنّه قتل أخاكم أبا الدرداء). 5 - (قلوب بني آدم تلين في الشتاء وذلك أن الله خلق آدم من طين، والطين يلين في الشتاء). أسأل الله عز وجل في ختام هذه الوقفات التي هي بعدد شهور السنة أن يشرح قلوبنا للإيمان وأن يستعملنا في طاعته. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين * عن موقع زاد الداعي -بتصرف- .../ ... انتهى