بقلم: كارل ثيودور زو غوتنبرغ إن الألمان عادة يمزحون بأن ميل ميركل للتواصل عن طريق الرسائل النصية العابرة شكل بالفعل نهاية لكتابة التاريخ التقليدية، وعلى الأقل يبدو أن وكالات التجسس الأميركية قد احتفظت بسجل كامل للاتصالات خلف الكواليس في برلين وأماكن أخرى. للأسف لم يستوعب الرئيس الأميركي باراك أوباما وإدارته بعد مدى وخطورة الضرر الذي لحق بمصداقية أميركا بين حلفائها الأوروبيين. إن المشكلة ليست في تجسس الدول بعضها على بعض، فجميعها تفعل ذلك، ولكن المشكلة تكمن في المدى الذي وصلته أميركا في جمع المعلومات الاستخبارية وأسلوبها تجاه حلفائها، وهو ما يعد الأكثر ضررا. إن المناوشات عبر الأطلسي فيما يتعلق بقضايا متنوعة مثل التغير المناخي والمعتقلين في خليج غوانتنامو وحرب العراق كشفت وجود انهيار في التفاهم المتبادل، وهذا في بعض الأحيان ناشئ عن الاختلافات العميقة فيما يتعلق بأفضل الطرق لتحقيق الأهداف المشتركة. ولكن أزمة التنصت على المحادثات الهاتفية وقيام متعاقد الاستخبارات الأميركي السابق إدوارد سنودن بكشف بعضا من الأمور المقلقة تشير إلى مشكلة أعمق، وهي أزمة انعدام الثقة المتبادلة التي يمكن أن تصبح بمثابة صدع خطير في العلاقات بين جانبي الأطلسي، بينما نحتاج إلى علاقات تعاون سياسية واقتصادية وأمنية بين أوروبا والولاياتالمتحدة الأميركية أكثر من أي وقت مضى. ربما لا يوجد شيء أكثر تدميرا لعلاقات الصداقة بين الدول الديمقراطية من تصرف حليف يجعل حليفه يخسر ماء وجهه في بلده. لقد كانت ميركل هي التي تحاول تهدئة الأمور بعد أن ضربت فضيحة وكالة الأمن الوطني الأميركية أوروبا هذا الصيف، ولهذا السبب فإن المزاعم بقيام أميركا بالتنصت على محادثاتها الهاتفية مضرة جدا لها على المستوى الشخصي والسياسي. وكشخص عمل في حكومة ميركل من سنة 2009 إلى سنة 2011 يجب أن أعترف أنني كنت مهملا في استخدام أجهزة الاتصال المتنقلة، ومن حيث المبدأ يجب على المرء بالطبع أن يفترض أن أجهزة الاستخبارات الأجنبية ستحاول الاستماع إلى محادثات الحكومات الأخرى، ولكن هناك فرق كبير بين أن تكون تلك النشاطات من عمل روسيا أو الصين وبين أن تكون من حليف عادة يؤكد على أهمية الصداقة والتعاون عبر الأطلسي. إن شخصية أوباما تجعل الأمور أكثر تعقيدا. إنه من الصعب تذكر وجود أي رئيس أميركي آخر لم يتواصل بهذا الشكل مع رؤساء الدول الأخرى، وبدلا من أن يتواصل مباشرة مع بلد صديق قرر أن يبتعد عن الأضواء وأن يرسل المسؤول الصحفي للبيت الأبيض جاي كارني من أجل أن يصدر تصريحا غريبا بأن الحكومة الأميركية لم ولن تراقب اتصالات ميركل. وبالطبع المرء لا يحتاج للكثير من المهارات التحليلية حتى يرى أن هذه محاولة خرقاء لتجنب الاعتراف بأن الاستخبارات الأميركية استهدفت ميركل في الماضي. يبدو أن إدارة أوباما قد فشلت في أن تسأل نفسها بعض الأسئلة الأساسية، كيف يمكن أن تبرر التجسس على زعيم يعد واحدا من أوثق حلفاء أميركا في الناتو وفي أفغانستان، وهو زعيم دعي إلى روز جاردن من أجل منحه وسام الحرية الرئاسي، وهو أرفع وسام يمكن أن تقدمه أميركا لأجنبي؟ بالإضافة إلى ذلك، لم تكن ميركل الهدف الوحيد، وفي حالة فرنسا كيف يمكن لإدارة أوباما أن تبرر استهداف حليف حاول جاهدا أن يبني الثقة مع الولاياتالمتحدة الأميركية بتوفير غطاء عسكري وسياسي مهم للغاية في ليبيا وسوريا؟ إنه من المؤكد أن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند يشعر هو الآخر بأنه قد استغفل ليس فقط بسبب المراقبة الأميركية، ولكن أيضا لأنه لم يتلق أي تحذير مسبق من الاستخبارات لديه فيما يتعلق بقرار أوباما المفاجئ بالطلب من الكونغرس الموافقة على قرار يسبق استخدام القوة العسكرية في سوريا. أخيرا، كيف يمكن لأوباما أن يوضح للاتحاد الأوروبي (والذي تم التنصت على بعثته في العاصمة الأميركية واشنطن) أنه من الأهمية بمكان الدخول في مفاوضات صادقة وجدية وشاملة من أجل التوصل لشراكة عبر الأطلسي في مجال التجارة والاستثمار؟ إن هناك أصواتا بارزة في أوروبا بما في ذلك رئيس البرلمان الأوروبي وزعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي في ألمانيا يطالبون الآن بتعليق محادثات الشراكة عبر الأطلسي في مجال التجارة والاستثمار. إن التكلفة الاقتصادية المحتملة للتأخير أو الفشل في التوصل إلى اندماج اقتصادي أوثق عبر الأطلسي يمكن أن تصل لبلايين الدولارات، بالإضافة إلى الضرر الكبير الذي لحق بمصداقية أميركا في أوروبا. * وزير ألماني أسبق للدفاع والاقتصاد