شهد واقع الحياة الزوجية في السنوات الأخيرة تحولا جذريا ليس فقط في جانب العلاقات التي تنشأ بين الزوجين، أو تلك التي تتحكم في الأسرة الواحدة، أو حتى تلك التي تنشأ من العلاقات الاجتماعية بين مختلف الأسر، فالتغيرات الذي وقعت على الساحة الاجتماعية سواء كانت مقبولة من قبل البعض أو مرفوضة من البعض الآخر، أضحت وللأسف تشكل الصورة الواقعية للحياة الزوجية الحديثة وللأسرة المستقبلية، هذه الصورة التي تخلف مع العادات التقليدية، خلقت عادات جديدة وسلوكات حديثة تساير ظروف الحياة المستقبلية التي تتغير بشكل سريع نظرا للمتغيرات الجوهرية التي بلورت مفاهيم اجتماعية خرجت عن المألوف التقليدي، أحيانا فإنها أثرت على المسار الاجتماعي في جميع الجوانب النفسية والسلوكية بشكل يدعو إلى دق ناقوس الخطر.. ت. كريم إن التغير الإيجابي الحاصل غيّر تلك المفاهيم السائدة في المجتمع وجعل دور المرأة أو الزوجة أو الأخت أو البنت يتسع ويدخل منعرجا حاسما داخل الأسرة والمجتمع ككل، وأدرك الجنس الذكوري أن العنصر النسوي الذي يتحامل عليه الجميع، قد فرضن أنفسهن على أرض الواقع بكل جدارة، فالوضعية الجديدة التي برزت من خلالها المرأة بفضل تلك العناصر الإيجابية التي أسهمت بواسطتها في إحداث الوثبة الاجتماعية، أصبحت الآن تشكل العنصر المحوري في تغيير المعادلة الاجتماعية، ومن خلال تلك الإسهامات صنعت المرأة في بيتها وفي حياتها الزوجية وفي أسرتها وفي مجتمعها كيانا مستقلا بذاته، ومنه أصبحت تعيش في عالم يوازى عالم الرجال، مما شكل تصورا مغايرا لما يدور في ذهن أفراد المجتمع، ذلك هو الواقع الجديد الذي بدأ يتشكل في العالم العربي والإسلامي رغم التحفظات التي يبديها الرجل في كل خطوة تخطوها المرأة نحو المستقبل، بل وهذا كله أثر على الحياة الزوجية مما فرض واقعا جديدا على الرجل عليه تقبله بكل جوانبه الإيجابية والسلبية، فالزوجان لا يلتقيان إلا في أوقات معينة، بل بالتحديد أثناء العطل أو في الساعات الأخيرة من اليوم، كما أن المرأة لم تعد تلك الآلة التي يستغلها الرجل للحصول على الأطفال، بل يكفي الاتفاق بينهما على تحديد النسل أو تأخيره إلى سنوات عديدة، هذا ما يسبب الشقاء للرجل، الذي يسعى دوما وبالفطرة إلى بناء مستعمرة في حياته مليئة بالذكور والإناث .. وضعيات متناقضة تضع الأسرة في مواجهة طوفان المشاكل حسب علماء الاجتماع فحياة التمدن والرفاهية والتطور العمراني وغيره من الأمور غيرت مفاهيم اجتماعية كانت بالأمس القريب دعائم المجتمع وركائز الأسرة التي لا تقوم بدونها، فلا معنى لحياة زوجية لا يشتغلان أو لا يشتغل منها طرف واحد، فالحياة العصرية تقتضي وجوبا أن يكون للزوجين وظيفة أو منصب عمل، حتى يتمكنا من تلبية حاجياتهما اليومية، إن الوضعية الجديدة التي أهلت المرأة لأن تتبوأ مكانة مرموقة في المجتمع، يقول البعض بأن ذلك أفقدها جزءا من أنوثتها، وتحوّلت بمرور الزمن إلى مجرد آلة خالية من تلك العواطف التي غرستها الطبيعة في وجدانها، فلم تعد تلك الأم الحنون، لأن أولادها تربوا على يد مربيات عديدة، كما أنها بدأت تفقد دورها الاجتماعي في تربية الأولاد، ولم يعد لأخلاق الأسرة وجود، كون أن الأبناء اكتسبوا أخلاقا من غيرهم فهم يفتقدون إلى الحنان والعاطفة، وخاصة شعور الوالدين الفطري الذي كان على ممر الأمم يلعب دورا هاما في صناعة الأجيال القادمة، وفي السياق ذاته، للبعض تفكير مغاير، يؤكدون أن المرأة تقوم بدور اجتماعي يتناقض مع مواصفاتها الطبيعية التي أنشئت لها، كما أن الأمر يتطلب منها أن تجمع بين دورين متناقضين، تنتحل شخصية الرجل في حياتها العملية والمهنية، وشخصية الأم والزوجة بكل ما تحملها من عناصر أنثوية فطرية. ازدواجية دور المرأة في المجتمع إن العوامل الجديدة التي أدخلت على كيان المرأة بلا شك حملت تغييرات جذرية على الحياة الزوجية، ولكل من الشريكين نظرة مغايرة تجاه الآخر، مما يجعل لكل منهما تفكيرا مخالفا للآخر، وهذا الاختلاف يفرض عليها خلق جو من التوافق والانسجام كضرورة حتمية لقبول الطرف الأول من الطرف الثاني، ويمكن القول بأن مفهوم جديد للحياة الزوجية بدأ يتبلور في قالب مصاغ وفق أشكال مختلفة تحدها التغيرات السريعة التي أخذت طريقه للبروز على الساحة الاجتماعية والاقتصادية، وهو ما يفقد الفرد أكان ذكرا أو أنثى استقلالية القرار الشخصي، بل يقيده بمعطيات ووضعيات تخرجه عن دائرة التصرف فيها وفق ما يتمناه أن يكون في المستقبل، إن بناء الأسرة من خلال حياة زوجية متوازنة، ليس من الأمور اليسيرة، بل تحولت إلى مجرد لعبة تتحكم فيها معادلة ذات المتغيرات المجهولة مستقبلا، وهو ما يؤدي بعلماء الاجتماع إعادة النظر في إعادة صياغة المفاهيم الاجتماعية التي بادر إليه العالم العربي ابن خلدون، وفي هذا الشأن نشير إلى أن الحياة الزوجية أصبحت مقيدة بالمصالح الاقتصادية على حساب الاعتبارات الاجتماعية التي كانت تشكل جانبا من الجوانب المحاطة بالتقاليد والأعراف. من المعروف أن العصمة بيد الرجل، لكن أي رجل، هل ذلك المتمسك بالتقاليد والأعراف، أم ذلك الذي يتخاذل في وظيفته الاجتماعية ويحمل زوجته كل أعباء الأسرة، إن الواقع الجديد يحتم على الرجل أن يلعب دورا أكثر فاعلية مما كان يتصور، فالمتطلبات لا تنحصر في الوجود الشكلي داخل الأسرة، بل يتحمل كامل مسؤولياته تجاه حياته الزوجية والأسرية وحتى الاجتماعية، وفي هذا الموضوع فإن المرأة كونها تقوم بدور الزوجة، الأم، المربية والعاملة، فإنها تناشد الرجل، الزوج، لأن يحافظ على دوره الرجولي والذكوري بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ولأنها أي المرأة تأمل من خلال دوره الجديد، أن تقود قاطرة الأسرة بكل مشاعرها وعاطفته اللتان تجمعان بين الدور الطبيعي والدور الاجتماعي، محافظة على كل المكتسبات التي ساهمت بتحسين مكانتها في الوسط الاجتماعي..