في وقت تنتظر فيه العاصمة السودانية الخرطوم وصول رئيس لجنة وسطاء أفريقيا بين الحكومة والحركة الشعبية-قطاع الشمال ثابو مبيكي، أفرزت مقترحات دفع بها أولئك الوسطاء للطرفين عددا من الآراء حول ما يمكن أن تحققه في ظل تمسك طرفي المعادلة بموقفيهما. وبينما لا تزال مواقف الطرفين أكثر تباعدا لإصرارهما على التصعيد والتصعيد المضاد، لا يستبعد متابعون إمكانية تنازل أحد الفريقين استجابة لضغوط خارجية وبالتالي العودة لطاولة التفاوض. وكانت الوساطة الأفريقية علقت الثلاثاء الماضي مفاوضات بين الحكومة والحركة الشعبية-قطاع الشمال، مع إمهالهما عشرة أيام لمناقشة مقترحات قدمتها لوفديهما قبل العودة لاستئناف التفاوض. وتشتمل المسودة المطروحة على جملة مطالب كالوقف الفوري غير المشروط للأعمال العدائية بجنوب كردفان والنيل الأزرق والسماح للحركة الشعبية بممارسة نشاطها كحزب سياسي بالسودان، إلى جانب إطلاق حوار سياسي بمشاركة الأطراف كافة لمعالجة القضايا القومية. لكن المسودة ذاتها تدعو إلى معالجة قضية منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان عبر مفاوضات على قواعد الاتفاقية الإطارية الموقعة بال28 من جوان 2011 الموصوفة باتفاق نافع عقار والتي رفضها الرئيس عمر البشير بعد أقل من أسبوعين عقب حملة شنها مناوئون للاتفاقية من داخل البيت الحكومي. وبينما يعكف طرفا المعادلة على دراسة المسودة للرد عليها خلال جولة المفاوضات المقبلة المقررة بال27 من الشهر الجاري، تزايدت تساؤلات المتابعين حول مدى قبول الطرفين لبنود المسودة وفرص تحولها إلى نصوص قابلة للتنفيذ. وبرغم رفضه تقييم المسودة فإن عضو الوفد الحكومي للمفاوضات حسين كرشوم أكد عمل الحكومة على دراستها (بعناية، قبل الرد عليها بشكل رسمي خلال الجولة القادمة من المفاوضات). وقال إن الوساطة تلعب دورا كبيرا في تقريب وجهات النظر بين الطرفين (وتحاول إيجاد طريق ثالث يمكن أن يأتي عبره السلام) ممتدحا جهود مبيكي وفريقه (لأن طريقهم شاق وصعب(. أما أستاذ العلوم السياسية والاجتماع محمد يوسف أحمد مصطفى فتوقع موافقة القطاع على أهم ملامح المسودة (لأنها تفي ببعض مطالبه)، مشيرا إلى ما نادت به المسودة من ضرورة (الاعتراف بقطاع الشمال كحزب سياسي وحل قضية المنطقتين بناء على اتفاق نافع عقار). وقال إن للحكومة شروطا حول بعض محاور المسودة وبنصوص وصيغ لا تقبلها الحركة، مشيرا إلى رفض الخرطوم أن يكون اتفاق نافع عقار أساسا للتفاوض، كما ترفض مؤتمر الحوار الجامع. ويرى مصطفى أن المسودة قد تحل المشكلة (لكنها ستصطدم برفض الحكومة التي ستعتبرها منحازة للحركة الشعبية). أما المحلل السياسي محمد الفكي فيعتبر أن المسودة تضمنت نقاطا لمصلحة الطرفين، لافتا إلى تأكيدها على وقف العمليات العسكرية وعدم سعي أي طرف لتحسين وضعه في الميدان. ويعتقد أن المسودة (دعمت موقف الحكومة في إحداث التسوية الشاملة) عن طريق تسويات ثنائية، مشيرا إلى أن التسوية مع الحركة الشعبية تتم بمعزل عن حركات إقليم دارفور (وجميعها يتم بمعزل عن اتفاقات الحكومة الموقعة مع الأحزاب السياسية في الداخل).