اجتياح التكنولوجيا للحياة اليومية للأفراد لم يقتصر فقط على النشاطات وإنما تعدى ذلك ليمس حتى العلاقات الإنسانية، فالصداقة مثلا حادت عن معانيها الإيجابية المعروفة وتحولت من رابط مقدس إلى مجرد رابط مؤقت تكون المصلحة غايته الأولى، ووفرت مواقع التواصل الاجتماعي الأرضية الخصبة لهذه المفاهيم الجديدة من خلال الصداقة الافتراضية التي طمست الصداقة الواقعية ذات الأبعاد الأخلاقية.. الصداقة علاقة رائعة تربط بين الزملاء والأصدقاء والأحباء وهي مفتاح السعادة لدى البعض، فعندما توجد بنت بجنب صديقتها أو ذكر بجنب صديقه ويتناقشون في مواضيع تهم كلا الطرفين فإذا كان مشكل يتقاسماه ويحاول الصديق بكل ما في وسعه مساعدة صديقه، وإذا كانت فرحة لدى الأحباء يتقاسمها الاثنان بالفرحة العارمة والهدايا المعبرة عن المحبة، فهو أمر غاية في الروعة وإذا كان أمر سوء يقتسمان العواقب والنتائج ويتحمل كل منهما المسؤولية، لكن هذا لم يعد يعني في مجتمعنا الحديث الذي انقلبت فيه كل الموازين بسبب هذا العصر المادي والعلاقات الافتراضية عبر مواقع التواصل الاجتماعي الذي يمجد كل ما هو ملموس من مصالح اجتماعية واقتصادية ومالية في كل المجالات.. فالصداقة بمفهومها التقليدي هي التقرب من الناس ومحاولة الاتصال بهم واختيار أفضل صديق وتكوين علاقة قرب وبطبيعة الحال تكون علاقة محبة قوية وعلاقة متينة، و تستطيع حتى أن تتطور إلى علاقة أخوية بينهما، لكن في يومنا هدا تغيرت قيم الصداقة الحقيقية وتحولت إلى مجرد علاقة ظرفية تجمع بين شخصين ثم تنتهي بانتهاء المصلحة التي تجمع بينهم، فهذا الوضع يؤثر كثيرا على الأشخاص ذوي القلوب الرحيمة والذين يضعون ثقة عمياء في أصدقائهم، ويعود انعدام قيم الصداقة الحقيقية إلى المصالح المادية التي يشهدها عصرنا الحديث من انتهازيين يصنعون علاقات مع الأشخاص من أجل الانتفاع بمالهم أو منصبهم أو شهرتهم وغير ذلك من المصالح المادية الظاهرة، أو علاقة ربطت بين شخصين سابقا لكنها فشلت في الماضي فيعتبر صاحبها أن ليس هناك أصدقاء حقيقيين وتنقطع علاقاته المقربة مع المحيط الذي يدور حوله، إضافة إلى الوساوس الذي يؤدي إلى الحسد ومشاعر البغض، فتبدأ تتشتت العلاقة بين الزملاء إلى أن تنتهي في الأخير إلى الفراق، هذا ما يؤدي إلى انقطاع صلات الرحم أو الصلات بين الناس و التشتت إضافة إلى انعدام روح الأخوة والتقارب الاجتماعي والتفرق بين أفراد المجتمع الواحد. فالزمالة في المدرسة من متوسطة إلى ثانوية خاصة في الجامعة أو مكان العمل توجد علاقات منحلة غير متينة وتنعدم علاقة الصداقة الحقيقية تجمع بين كلا الجنسين من البنات إلى الذكور فوصل الحد إلى منع أقل وأبسط الأشياء في وجه الصديق، مثل طلب كراريس أو كتب قصد المراجعة والتطور في العلم هذا ما يؤدي إلى اقتناع الأفراد بانعدام قيم الصداقة الحقيقية. وما يزيد الأمر تعقيدا أن العلاقات الافتراضية عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي من فايس بوك وتوتير وسكايب وغير ذلك من الوسائل العصرية التكنولوجية الحديثة وضعت العلاقات الاجتماعية بين الأفراد محل لعبة يتم التواصل بينهم عند الحاجة وعند قضائها ينسى طرف منهما أو كلاهما أن كان له صديق خاصة في ظل العدد الكبير من الأصدقاء الذين يكتسبونهم عن طريق الإنترنيت ويصل الحد إلى الآلاف، ويعتقد المستخدم أن عدد الأصدقاء هو المهم وأصبحت الصداقة تنطوي على الكمية دون النوعية. وتلعب التربية دورا كبيرا من ناحية تكوين روح الصداقة عند الطفل مند الصغر فتعود أسباب عدم كسب أصدقاء ومواصلة المشوار سويا إلى عدم التربية المكتسبة الجيدة والدينية التي تنص على قدسية الصداقة وهذا من الأسرة كالأب والأم وعدم توجيههم وترشيدهم إلى كيفية التعامل مع الآخرين وكسب مودتهم وتجنب كل ما يفسد العلاقة من خداع، نصب، احتيال، عدم الاعتراف بالجميل وعدم تقديم النصائح التي ستلد في المستقبل شابا أو شابة واعين متشبعين بروح الأخوة والصداقة. فعن الصداقة الافتراضية من وجهة نظر الشريعة يقول الإمام (يوسف عشاش) إن التعرف على أصدقاء وكسب مودتهم إذا كانت النية صافية عن طريق المنتديات والاستفادة في العلم فهذا مقبول، إلا أنه إذا كانت علاقات بين الجنسين من أجل التعرف بينهم والوصول إلى أمور لا يحمد عقباها فذلك أمر دنيء وغير مقبول في ديننا الحنيف. فالصداقة هي أمر مقدس لذلك وجب العودة إلى القيم المبنية على أساسها الصداقة الحقيقية من محبة، ود وصفاء ووفاء ونية الصداقة لا للعب أو تمضية الوقت أو الاستفادة من مصالح، ثم بعد ذلك يرمي الصديق مثله كمثل شيء دنيء ليس له أي قيمة لمحاربة تشتت العلاقات الاجتماعية، غير أنه في هذا الصدد لا يمكن أن نتناسى أن عصرنا الحالي عصر الماديات ووجب أخذ الكثير من الحيطة والحذر في اختيار زملاء ينوون الخير للصديق دون الشر.