تمثل ولاية الطارف بمنحوتاتها الصخرية وتوابيتها الحجرية وتعدد آثارها التي تشهد على حضارات غابرة إحدى أكبر خزانات البلاد في مجال الآثار التاريخية خاصة و أن الولاية تعاقبت عليها عدة حضارات من بينها الفينيقية ، البونيقية ، الرومانية ، البيزنطية و الإسلامية... وإذا كانت هذه الولاية قد سجلت اسمها من خلال ثرائها البيولوجي وأوساطها الطبيعية التي تشكل معا محمية للتنوع البيئي فهي تخفي أيضا كنوزا أخرى ليست معروفة بالشكل الكافي إلا أنها تبقى قيمة لأنها تعود إلى عصور غابرة.. ولا تزال عشرات المواقع التي تعود إلى عصور ما قبل التاريخ و الآثار تنتشر عبر أرجاء الولاية مبسوطة تحت غطاء نباتي كثيف يخفيها ويحفظها في ذات الوقت من اعتداءات الإنسان. أكثر من 400 موقع اثري عرضة للنهب و التهريب أحصت مصلحة التراث بولاية الطارف أكثر من 400 موقع اثري منتشرة عبر ربوع البلديات ، إلا أن أكثرها غير مصنف ما جعلها عرضة للإهمال و السرقة و النهب و التهريب بحكم تواجدها على الشريط الحدودي . تعاقب الحضارات على الولاية جعلها اليوم تزخر بعدة معالم أثرية و تاريخية كثيرة تنتصب شاهدة على الثراء التاريخي للمنطقة إذ تم إحصاء حوالي 132 موقعا اثريا يعود لعصور ما قبل التاريخ و 260 موقعا يعود لحضارات مختلفة ، و رغم هذا الزخم الكبير من الآثار إلا أن المعروف منه و المصنف يعد على أصابع اليد الواحدة كالحصن الفرنسي الذي يعود لسنة 1524 م و كنيسة القالة و هما معلمان عرضة للإهمال و التلف بسبب انعدام عمليات الترميم رغم المراسلات العديدة للوزارة الوصية من قبل مديرية الثقافة للولاية ، و بغية حماية بعض المعالم الأخرى التي لها تاريخ متجذر في أصالة أهالي المنطقة سارعت مصلحة التراث إلى إدراجها على لائحة المناطق الأثرية السياحية المعترف بها و هي« قصر لالة فاطمة ببلدية العيون الحدودية و قلعة الطاحونة بالقالة و زاوية الدندان ببلدية البسباس« المعلم الوحيد الذي بحالة جيدة نظرا لأخذ سكان المنطقة على عاتقهم مسؤولية الحفاظ و العناية به ، في المقابل تعرف العديد من المواقع الأثرية و التي اكتشفت عن طريق الصدفة من قبل السكان كمعاصر الزيتون و التوابيت ببلدية الزيتونة ،و الدلمان بحي سبعة رقود ببلدية الطارف ، شواهد القبور ببلدية البسباس و بقايا الأبنية التي تتواجد أغلبها في محيط غابي وعر على الشريط الحدودي ، حالة متقدمة من التلف جعلتها في طريق الزوال بسبب الظروف الطبيعية و يد الإنسان ، إذ وحسب شهود عيان فإن بعض السكان يستعينون بحجارة الأبنية الأثرية القديمة في بناء مساكنهم الخاصة ما جعل مهمة استعادتها مستحيلة ، في حين تنهب المواقع التي تزخر بالآثار و تهرب تحفها عبر الحدود للضفة المقابلة ما جعل مصالح الأمن في حالة ترقب و تأهب لإفشال عمليات التهريب إذ تمكنت مصالح الدرك الوطني عديد المرات من استعادة التحف و توقيف المهربين ، و نظرا لصعوبة الوصول للمواقع الأثرية بسبب وعرة المسالك ووقوعها في محيط غابي الأمر الذي صعب من مهمة حراستها و زيارتها من قبل الباحثين والزائرين الذين يجدون صعوبة في الوصول إليها بالسيارة العادية معالم أثرية منسية .... و مؤهلات سياحية غير مستغلة أدى تركيز السلطات الولائية و اهتمامها بالسياحة الشاطئية إلى إهمال جوانب أخرى من السياحة التي تزخر بها الولاية كالسياحة الحموية و الأثرية هذه الأخيرة التي تعرف حالة جد متقدمة من الإهمال رغم إحصاء أكثر من 400 موقع اثري مفتوح على الطبيعة ، إلا أن اغلبها غير معروف محليا لعدم تصنيفها من جهة و لانعدام الطرق و الممرات التي توصل اليها كون اغلبها في مناطق جبلية و عرة ، و من المعالم المصنفة اثريا نجد قصر لالة فاطمة ... تاريخ مهمش للحضارة الرومانية كان قصر لالا فاطمة وهو موقع أثري يعود إلى الفترة الرومانية المدفون بغابة الفلين على مقربة من المنطقة السكنية الحدودية بوادي جنان التابعة لبلدية العيون بولاية الطارف،هذا الموقع يثير في كل مرة انبهار الزوار بالمنظر الخلاب للسهل الذي كان يستغل لأغراض فلاحية... قصر لالا فاطمة يعد صرحا رومانيا يتكون من طابقين ما يزال ظاهرا على الرغم من تعاقب عديد القرون حيث لا يزال جدار بعلو 8 أمتار قائما وكذا مبنى وأيضا مجموعة من المزارع ومعاصر الزيتون. وتتوزع بهذا الموقع كذلك قطع أثرية من بينها معاصر للزيتون وللحبوب وعجلات وصخور مصقولة وكذلك جسر لنقل المياه بطول 900 متر ما يزال في حالة جيدة حيث يوجد به صهريج ومجموعة من الأحجار المصقولة. ويضم هذا الموقع كذلك بقايا وأجزاء للسيراميك والقرميد وحمامات بها نظام للتدفئة تقليدي وكذا مؤشرات أخرى تفيد بالانتقال من الحقبة القديمة إلى العصر الوسيط. وتروي الأسطورة التي انتقلت من جيل إلى جيل عن هذه المرأة التي يقال عنها أنها حسناء وغنية حيث اشترطت على الذي طلب يدها بأن يبني قصرا ومجرى مائي وبعد 40 سنة تمكن ذلك الذي طلب يدها من تلبية رغبتها ليتوفى إثرها مباشرة. ولدخول هذا الموقع الموجود بقلب غابة كثيفة يتطلب الأمر جولة على الأقدام وذلك بالنظر إلى صعوبة المسلك على مسافة حوالي كيلومترين. أضرحة بوقوس أسطورة ما قبل التاريخ المنسية تعود أضرحة وكذا الأحجار الموجودة ببوقوس الى عصر ما قبل التاريخ حيث يكون قد تركها الإنسان القديم ، المتواجدة غير بعيد عن جبل «غورة» المرتفع ب1200 متر عن سطح البحر هي من صنع معتقدات بعض الشعوب والحضارات من بين تلك التي تعاقبت على هذه المنطقة ، و هي الاسطورة التي لطالما تجادل و لا يزال يتجادل المواطنون حول حقيقة اضرحة بوقوس المسماة «العروسة» و هذه الاخيرة حسب ما هو متداول بين سكان المنطقة فهي تعكس غضب الله على شخصين كانا على وشك اقامة علاقة زوجية محرمة –اخ و اخته- ليتحولا الى كتلين من الحجارة ، كما يروى أن باقي الأحجار المتناثرة هنا وهناك على الأرض تمثل الأصدقاء والشهود وكل المدعوين لذلك الزفاف الملعون . غير ان العلماء و الباحثين يفسرون مثل هذه المعالم الاثرية التي تعود الى ما قبل التاريخ بانها مجرد مدافن جماعية او ابنية تعكس وجود مجمعات سكنية في تلك الفترة....لتبقى اضرحة «العروسة» غير مؤهلة لاستقطاب السواح رغم طول عمرها و سحر جمالها الا انها تبقى مجرد اسطورة تتحدى الزمن و الطبيعة. الكنيسة و الحصن الفرنسي الجوهرتين الاثريتين المفقودتين بالقالة يعود تاريخ بناء الكنيسة بقلب مدينة القالة إلى القرن 18 والتي توجد في حالة متدهورة للغاية و بالرغم من تصنيفها كإرث تاريخي الا انها مهمشة من برامج الترميمات التي تضعها البلدية منذ زمن ، الا انه مسها الترميم مرة واحدة اين استغلت كمسرح بلدي بعد تهيئتها من قبل البلدية قبل أن يطالها الإهمال مرة ثانية في ظل غياب أية جهة للاعتناء بها حيث تحولت إلى فضاء لإقامة المعارض الاقتصادية بين الموسم و الأخر إلا أنها مؤخرا أصبحت وكرا للمنحرفين ومركز عبور لبعض العائلات التي اتخذت من بعض أجنحتها مأوى لها ، و بالرغم من موقعها الهام المتمركز في كورنيش المدينة و جمال شكلها الخارجي الا انها تبقى مجرد معلم اثري لا يثمن سياحة الولاية و لا يغنيها. اما عن الحصن الفرنسي المتواجد في موقع استراتيجي بأعالي المدينة و المطل على الكورنيش الساحلي لعروس المرجان والذي يبقى مغلقا يوجد بدوره في حالة مزرية ومتدهورة بسبب تعرضه للإهمال أمام تصدعه وتآكل وانهيار أجزاء من جدرانه وتحوله إلى مرتع لتعاطي الآفات والخمور هو الأخر يعد كنزا اثريا هاما لم تتمكن السلطات المحلية من استغلاله لجذب السواح.