لم تكن المواجهة التي قام بها الامين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، عمار سعداني ضد مدير جهاز الاستخبارات ، اول امس، سوى حلقة اخرى من حلقات الغموض السياسي الدائر بشأن الانتخابات الرئاسية، وهو غموض لا يتطلب انقشاعه سوى كلمة واحدة من الرئيس نفسه.المشهد السياسي المتعلق بالانتخابات الرئاسية، ليس فقط «غامضا» و»مبهما» لكنه، مشبع ايضا بالتضاد، بين احزاب المولاة واحزاب المعارضة، ففي الوقت الذي ينتظر الجميع اعلان الرئيس بوتفليقة اعلان ترشحه، تتزايد دعاوى المعارضة الى «المقاطعة»تارة» وبين « المشاركة»تارة اخرى، وان بدأ المشهد السياسي يفرز بين المقاطعين وبين المشاركين وبين ايضا تيار الموالاة الذي اعلن نشطاؤه ان بوتفليقة سيترشح فعلا دون ادنى علم بالحقيقة. واذا كانت تاويلات المتتبعين تشير الى ان مدير الاستخبارات يكون ضد العهدة الرابعة، اذا ما دققنا في تفاصل الحوار الذي قام به سعداني لموقع»كل شيء عن الجزائر)، فان واحدة من المعطيات المتواترة عن تصريحاته تشير الى ان الغموض القائم ناتج عن عدم الفصل في مسألة ترشح بوتفليقة من عدمه. وتأكد ان ما نشر في احد المواقع الالكترونية في الجزائر من ان الرئيس بوتفليقة او مفوض عنه، قد سحب استمارة الترشح للانتخابات الرئاسية، مجرد «كذبة» تحتاج الى تفسير ايضا طالما ان من سربها على يقين بما يفعل، فهل ان دعاة العهدة الرابعة، يدفعون الى ترشيح بوتفليقة حتى وان رفض هو بالذات ان يعتلي منصة المرادية لرابع مرة، مع العلم انه لم يقل ولم يشر لا من بعيد ولا من قريب الى امكانية ترشحه، و العكس هو الصحيح، فقد قال في خطابه بسطيف العام ما قبل الماضي»انا طاب جناني» وفهم الجميع ان الرئيس بوتفليقة لا ينوى اضافة فترة اخرى لعهدات حكمه الجزائر و التي بدأها عام 1999. هناك من يقول ان المحيطين بالرئيس هم من يريدون ترشيحه، وهذا يطرح سؤال: لماذا؟، فلويزة حنون تؤكد ان المحيطين بالرئيس يردون ترشيحه للرئاسيات حفاظا على مصالحهم، وان هناك من يدفع به الى ذلك من اجل ان يقوم بتعديل دستوري، يستحدث فيه منصب نواب الرئيس، على ان يكون هؤلاء هم نوابه وفي النهاية هم من سيحكمون. منطق كهذا ليس فقط مناف للتقاليد السياسية، في بلد اصبح لا يتحمل عبء ومخاطر اخرى اكثر من تلك التي يتحملها من الملف الاقليمي و الحدودي المشحون، ولكنه يشكل الخطر بحد ذاته، باعتبار ان الدستور لا يجب ان يعدل «تحت الضغط» وفي ظروف كهذه وانما يستوجب تعديله في ظروف «راحة» تمكن من تحكيم العقول ازاء ما يريده الشعب الجزائري، او على الاقل ما تبتغيه الأغلبية من هذا الشعب.المشكلة ان الطبقة السياسية خاضت في نقاش «عقيم» يتصل بترشح بوتفليقة من عدمه، فمن الناحية القانونية، فيحق للرئيس الترشح ولا يمنع الدستور ذلك، لكن النقاش يطرح من الناحية المنطقية، التي تتصل بوضع الرئيس الصحي ومدى قدرته على قيادة البلاد لفترة اخرى. وبذلك تكون الطبقة السياسية او جزء منها جانب الرهانات الحقيقية التي يتوجب عليها الخوض فيها، فبدلا من رفع درجة الاستنفار على ما يحصل بحدودنا ، راحت تخوض في مسالة ترشح بوتفليقة الذي هو وحده من يقرر ذلك.