كتب إلى أمه يقول: "أنا مدين ل "بومدين" بأن أخرجني من الظلمات إلى النور..كان رايس أنتاع الزوالية.. بيه قريت وتعلمت وخرجت من الدوّار إلى الجامعة وقعدت مع أولاد "المرفهين" المتكبرين والمتواضعين.. بفضل بومدين أخذيت منحة للخارج وقريت بزّاف حتى صرت خبير في الموارد المائية في أوكرانيا..راح الاتحاد السوفييتي وراح معاه كل شيء..على بالي بلّي الدنيا تغيرت عندكم في الجزاير..حتى أنا تغيّرت..أولادي كبرو وحتى مرتي "سفيرا" تغيرت وحبّت تشوفكم..سنين فاتو بسرعة وحتى إذا ما اتصلتش بيكم من قبل إلاّ أنكم مازلتو في قلبي.." ! بعد أيام شوهدت مركبة فارهة من بعيد وهي تتقدّم الهوينى على طريق ترابية وتجري معها كلاب الدوار التي ظلت تنبح..لا زالت الطريق كما تركها لم تعبّد..ولا تزال شجرة الدردار شامخة أما بيت أمه.. توقفت السيارة الفارهة ونزل منها في كامل حُلّته رغم الامتعاض الذي بدا على محيّاه من الغبار والنباح ووجوه رجال لم يتعرّفوا إليه..بعد لحظات تسمّرت فيها عيون أهل الدوّار شاخصة فيه..تقدم منه أحدهم قائلا: "مبارك..واش راك وليدي..عاش من شافك.." احتضنه بقوة وشوق ظاهرين..بينما قال هو: "واش راك عمّي لاباس.." ردّ عمّه وهو لا يزال يضمّه: "كيما خليتنا..هاك تشوف..الّلي يحنّ علين..راح.." ! لم ينبس بكلمة..فقد كان يأمل أن يلمس أثر التغيير في هذا الدوّر الذي ترعرع فيه مثلما لمسه في المدينة الكبيرة منذ أن وصل.. دعه عمه إلى الدخول إلى الدار..تذكّر كل شيء..الباب الخشبية و "الشكوة" خلفه معلقة..ورائحة الإسطبل الذي طالما نظّفه لا تزال تزكم أنفه..مرّ إلى "المراح" ببلاطه الحجري ودلف إلى الدار الكبيرة..هناك نظر إلى امرأة عجوز بردائها الأبيض لا تزال تسجد وتتشّهد.. بعدما أكملت صلاتها وسلّمت..ورفعت رأسها لتراه..فاجأها قبل أن يرتمي في حضنها بقوله: "واش أمي مازلت تصلّي.." ! اغرورقت عيناها بالدموع وقبّلته وهي تقول بكلمات مختنقة: "حنا على دين آبائنا ياوليدي..ما نتغيروش.." ! "إذا اتخلّطت الأديان..شدّ في دينك.." أثر جزائري