إن في حياة البشرية جمعاء، يوجد أناس يجب أن يحظوا بالتقدير والتكريم أكثر من غيرهم، فمثلما تكرم أمريكا محاربي الفيتنام والعراق وأفغانستان ، وتكرم فرنسا ضحايا الحرب العالمية والنازية وغيرهم كثير، فإن الشهداء وأبنائهم وأراملهم، والمجاهدون وأبنائهم، وقدامى المحاربين في الشرق الأوسط، وضحايا الحرب مع المملكة المغربية، والحرس البلدي والدفاع الذاتي والجنود الاحتياطيين والمجندين الذين شاركوا في محاربة الإرهاب، كلهم يستحقون تقدير المجتمع من خلال تقدير الدولة لهم. لا يجب علينا أن ننسى أن عناصر الحرس البلدي وعناصر الدفاع الذاتي، ساهموا مساهمة فعالة إلى جانب عناصر الجيش النظاميين والاحتياطيين والذين أعيد تجنيدهم وكذلك عناصر الدرك والأمن في محاربة الإرهاب. وحسب تقارير صحفية، فإن تعداد الحرس البلدي يقدر بنحو 100 ألف )بعض المعلومات تشير إلى 88 ألف، وبعضها 95 ألف(، وفقدوا خلال عماليات محاربة الإرهاب نحو 4 ألاف، ما يعني أنهم خلفوا أرامل وأيتام وعائلات جريحة، وبدون شك يوجد منهم المصابون، ويقدر تعداد الدفاع الذاتي حسب تقارير إعلامية أيضا بنحو 20 ألف، وبدون شك سقط منهم قتلى ويعيش منهم معطوبون ومصابون. وفي فترة التسعينيات، وجد شباب الخدمة الوطنية أنفسهم أيضا في مواجهة الإرهاب، وسقط منهم الضحايا من أجل الوطن، ليس فقط في فترة التجنيد، بل حتى بعد انتهاء هذه الفترة حيث تعرض كثير منهم للمتابعة والتصفية وتعرضت عائلاتهم أيضا للتهديد، وكثير منهم »تشرد« وعاش خارج البيت العائلي متنقلا ومطاردا. وكذلك حدث هذا للمجندين وهم الفئة التي سبق لها أن أدت الخدمة الوطنية، وتم استدعاؤهم للمساهمة في محاربة الإرهاب، ورغم أن هذه الفئة كانت تتلقى راتبا، لكن كثيرا منهم سقطوا خلال محاربة الإرهاب، وكثير منهم خلفوا الأيتام والأرامل، ويوجد منهم المعطوبون إلى يوم الناس هذا. إن هذه الفئات يجب أن تصبح من ذوي أصحاب الحقوق، فحتى لو كان من واجب الجميع أن يساهم في الدفاع عن وطنه متى استدعت الحاجة، فإن الدولة يجب أن تميّز هذه الفئات دون سواها، من خلال إكرامها وتكريمها. فالذي توفى أو جرح أو فقد أحد أعضائه بحاجة لرعاية خاصة، له أو لعائلته. يحدث في تاريخ البشر عامة، أن تمر الشعوب والدول بفترات عصيبة، مثل الإحتلالات والحروب خارج الديار، وتعتمد الدولة على رجالها النظاميين والمواطنين ايضا، ويحدث أن تصبح تلك الفئات من أصحاب الحقوق، فنسمع عن »قدامى المحاربين« في الفيتنام أو في العراق أو أفغانستان أو في الخليج العربي أو الصومال بخصوص أمريكا، ونسمع عن قدامى المحاربين في فرنسا ضد الاحتلال النازي، وفي الحروب الاستعمارية المختلفة، وعن ضحايا التجارب النووية وعن ضحايا هيروشيما وناغازاكي بالنسبة لليابان وغيرهما من الأمثلة. هذه الفئة من الضحايا لديها حقوق على الدولة وعلى المواطنين في كل دول العالم وليست بدعة على الجزائر، ويتعين على السلطات أن تعالج الملف من هذه الزاوية الإنسانية أولا وقبل كل شيء. المشكل في الجزائر أن كثيرا من أصحاب الحقوق الفعليين والحقيقيين لم يتم النظر إليهم بالعين التي يجب، حيث شاهدنا مثلا كيف طالب »قدامى المحاربين في الشرق الأوسط بحقوقهم« وأسسوا جمعية تحمل نفس الاسم، وهم تحديدا جنود جزائريين شاركوا في الحروب العربية ضد إسرائيل عام 1967 وعام 1973، وفئة كهذه صراحة بحاجة لرد الإعتبار والتكريم، ولا نعاملهم كما نعامل أي عامل يدوي، لما ينتهي عمله يدخل بيته أو يجلس في المقهى يتناول القهوة ويلعب الدومينو أو الروندة. حدث في الجزائر أن كثيرا من المجاهدين الحقيقيين لم يتحصلوا على حقوقهم المشروعة، بينما تحدثت بعض الشخصيات عن مجاهدين مزيفين يتمتعون بكل الإمتيازات. حدث في الجزائر أن أبناء الشهداء عانوا الأمرين في جزائر الإستقلال، وحدث أن أرامل الشهداء اشتغلن »منظفات« عند من »يصلح ولا يصلح«، ألم تعرض قنوات تلفزيونية خاصة »يملكها جزائريون« تقارير عن زوجة المجاهد الشهيد دريد حسين طردت من منزلها وهي التي اشترته من عرق جبينها؟ ألم يشاهد الجزائريون تقريرا تلفزيونيا مماثلا عن أحد أفراد الحرس البلدي أصيب بالجنون والهلوسة وكاد ينتحر بسبب الظروف التي يعيشها بعد أن سدت كل الأبواب في وجهه من قبل »حتى رئيس البلدية«؟ صحيح أنه لا يجب أن نقارن بين شهداء الثورة التحريرية والمجاهدين الأبطال وغيرهم ممن خدموا وطنهم، لكن المقارنة هنا بخصوص الحقوق فقط. لكن السؤال المطروح: هل يجب أن يلجأ أصحاب الحقوق لحرق »البنوات« وتنظيم المسيرات والإعتصامات من أجل الالتفات إليهم؟ ربما لم توفق الدولة في »عسكرة المجتمع« بلجوئها إلى إنشاء »الحرس البلدي« و »الدفاع الذاتي«، وربما كان من الأفضل مضاعفة تعداد القوات النظامية في الجيش والدرك والشرطة، لكن هناك من يعتقد أن المقاومين )عناصر الدفاع الذاتي( وعناصر الحرس البلدي هم أبناء المنطقة ، فكانوا يعرفون بشكل جيد الإرهابيين ومموليهم ومسانديهم، وطرق تحركاتهم وأماكن تمركزهم..، ما سهل مهمة محاربتهم بشكل فعال. في المجتمعات توجد فئات كثيرة يجب أن تحظى بالتقدير والعناية قبل غيرها.. ولا يتعين على الدولة أن تنتظرها حتى تنزل إلى الشارع.. لأن انتزاع الحقوق بتلك الطريقة »يصغر الدولة«. ربما أصبح من المناسب، في الذكرى الخمسين للإستقلال، إعادة النظر في أصحاب الحقوق بما يناسب مقامهم، من المجاهدين وأبنائهم، إلى الشهداء وأبنائهم وأراملهم، مرورا بقدامى المحاربين في الشرق الأوسط، ووصولا إلى الحرس البلدي والدفاع الذاتي والجنود احتياطيين والمجندين.