رحل الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد في صمت، بدون ضوضاء، ولا ضجيج، التزم الرجل بيته وتفرع لأهله منذ خروجه من قصر المرادية، الكل كان ينتظر كلمة أو شهادة من الرجل الذي حكم الجزائر في أحلك المراحل حول أهم الأحداث المفصلية التي عرفتها الجزائر في عهده...إلا أنه التزم الصمت، صمت العظماء ووقار الحكماء، لكنه كتب وترك مذكرات يفترض أن يتم الإفراج عنها في الفاتح نوفمبر...فماذا قال الشاذلي فيها؟ وماذا تضمنت من شهادات؟. يعترف المقربون من الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد رحمة الله عليه أنه كان واحدا من أبرز القادة العسكريين الأكفاء، وسياسي من الطراز الرفيع، يعمل كثيرا ويتكلم قليلا، ويضيف هؤلاء ممن أرادوا أن ينصفوا الرجل بشهادتهم أنه كان بسيطا، متواضعا، اجتماعيا، لكنه كان أيضا صارما في قراراته سيما تلك المتعلقة بالوطن والمواطن على حد سواء، فعكس الآلة الدعائية»الخبيثة« التي تحركت طيلة فترة حكمه لتشويه صورته، يقول هؤلاء المقربون ممن عملوا معه سواء في المؤسسة العسكرية أو أولئك الإطارات ممن ناضلوا معه في حزب جبهة التحرير الوطني، أو الإطارات التي عملت إلى جانبه في الرئاسة والحكومة والإدارة خلال فترة حكمه، أن الرئيس الشاذلي بن جديد كان يتميز بشجاعة كبيرة وجرأة لا مثيل لها، وتسامح واحترام للآخر، وهي كلها شيم صنعت شخصية الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد حسب تلك الشهادات طبعا. ولعل إقدام الرجل بكل إخلاص وإقدام على إقرار ما سمي بالتغيير في ظل الاستمرارية واحدة من أبرز الدلالات التي تلخص بصدق شخصية الرجل ومواقفه السياسية ونظرته لما يجب أن تكون عليه الأمور المتعلقة بالحكم وتسيير الشأن العام. تفيد مراجع شاركت في إعداد مذكرات الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد، التي كان يفترض أن ترى النور في المعرض الدولي للكتاب قبل أن بتم زحزحة تاريخ صدورها إلى الفاتح من نوفمبر بطلب من المعني رحمة الله عليه كما أكد ذلك إسماعيل مزيان مدير دار القصبة للنشر، أن الشاذلي بن جديد حرص خلال إعداده لتلك المذكرات على نقل الحقائق كل الحقائق التي عاشها وعايشها، سواء خلال الثورة التحريرية الكبرى أو تلك التي شهد عليها بعد الاستقلال من خلال المناصب التي تبوأها. أحد الكتاب المخضرمين ممن كانت لهم لقاءات عديدة مع الرئيس الراحل على مدار السنوات الأخيرة التي شرع فيها في إعداد الكتاب، يقر في مجلس خاص أن الرئيس يملك شخصية قوية جدا، إلى درجة أنه كان يحرص على قول الحقائق التي عرفها وعايشها كما هي، وكان الشاذلي بن جديد يحرص أيضا حسب نفس المصدر على التأكد من الأحداث وتواريخها بالرجوع إلى الفاعلين في هذه الحقبة أو تلك توخيا منه للحقيقة كل الحقيقة. الرئيس الشاذلي بن جديد، أقر التعديدية السياسية والإعلامية والنقابية، وكانت له الشجاعة الكافية لخوض غمار الإصلاحات العميقة رغم المعارضة الشرسة التي تلقها من قبل خصومه في الحزب وفي الإدارة وفي المؤسسة العسكرية، ولهذا من الطبيعي جدا أن يتأثر لمحاولات التشويه التي طالته من قبل أطراف سياسية تجيد فن الخداع السياسي وتحتكم للدعاية السوداء، وفي هذا الإطار يقول مصدرنا الذي أتاحت له الفرصة للاطلاع على بعض أسرار الرجل وخلفيات الأحداث التي صاحبت عهده خلال إعداد المذكرات أن الشاذلي كان متأثرا كثير لنكران الجميل من بعض ممن عملوا معه وساهموا في تزييف الحقائق أو عدم الدفاع عنها، لكنه كان يرفض الدخول في مهاترات سياسية وإعلامية يراها أنها لا تخدم البلاد في شيء. إذن شاءت الأقدار أن يرحل الرئيس الأسبق الشاذلي قيل صدور مذكراته، وشاءت تلك الأقدار ألا يحضر احتفالات الفاتح من نوفمبر هذا العام وهو الذي تعود على الحضور والمشاركة فيها، إلى درجة تكاد تكون المناسبة الوحيدة التي يسجل حضوره فيها إلى جانب حضور جنازات رفاقه وزملائه وممن عرفهم وعمل معهم... ومن المتوقع أن تثير مذكراته جدلا في الساحة السياسية والإعلامية، لكنه لن يرد عليه كما اعتاد ألا يرد على من ظلموه..لقد قال كلمته ورحل كما يرحل العظماء وسيترك مهمة الكلام لمن اعتادوا عليه ويعيشون عليه. من المتوقع أن تتحدث المذكرات عن أحداث أكتوبر التي زلزلت أركان النظام وأدت إلى الانتقال من مرحلة إلى أخرى، ستتضمن أيضا حقائق عن الأزمة السياسو- أمنية التي عرفتها الجزائر مطلع التسعينيات وملفات أخرى لا تقل حساسية. فهل ستشفي مذكراته غليل أنصار الحقيقة؟.