فرنسا بحلتها الاشتراكية لا تختلف كثيرا عن فرنسا اليمين في عهد ساركوزي في كل ما يتعلق بالتعامل مع الجزائر سواء في جانب الاقتصاد أو السياسية وخصوصا ملف الذاكرة الذي تسعى إلى طيه بطرق مختلفة فيها بعض البراغماتية والكثير من الدهاء بل والخبث السياسي الذي يؤكد في كل مرة بان فرنسا الديمقراطية والمساواة وحقوق الإنسان كما يدعي ساستها لا تزال غارقة في ثقافة استعمارية، استعلائية تنظر إلى ما كانت تسمى ببلدان ما وراء البحار نظرة كلها احتقار. يخطئ من يعتقد بان الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند سيأتي إلى الجزائر من أجل الاعتذار عن الماضي الاستعماري، فهذه الزيارة هي قبل كل شيء محاولة من حكومة الاشتراكيين ي باريس لإنقاذ الاقتصاد الفرنسي من الأزمة الاقتصادية التي تتهدده بكوارث حقيقية، ومن السذاجة أيضا أن يتوهم البعض بأن اختيار وجهة الجزائر بدلا من المغرب ينم عن تغيير في العلاقات الإستراتيجية التي تربط باريس بالرباط، فالمغرب ليس لديه في الظرف الحالي ما يقدمه للاقتصاد الفرنسي الذي حول المملكة منذ زمن بعيد إلى سوق مرتبطة ولو بشكل غير مباشر بأوربا. ولعل من بين ما يفسر زيارة هولاند للجزائر هي خزائن الجزائر المملوءة، وبالأمس القريب فقط هرول الرئيس الفرنسي السابق إلى ليبيا طمعا في انقاد الصناعة العسكرية الفرنسية، واستقبل العقيد معمر القذافي بخيمته في الحديقة الخلفية للاليزيه ولو على مضض وبرغم ما كان يقال عن القذافي المتهم عن وقوفه وراء »الإرهاب الدولي« حسب الغرب طبعا، وما لبث ساركوزي أن انقلب على العقيد وقاد جحافل الأعراب والحلف الأطلسي لدك المدن الليبية وإسقاط نظام القذافي بعدما رفض الزعيم الليبي المغتال صفقة مقاتلات »رافال« التي أراد الفرنسيون بيعها لليبيا بأي طريقة. لسنا هنا في مجال المقارنة بين الجزائر وليبيا قبيل فتنة »الربيع العربي«، ونذكر ليبيا فقط لتتضح الصورة أكثر لمن لا زال يتوسم خيرا من زيارة هولاند، فهذه الزيارة لا تعني من الناحية السياسية إلا شيئا واحدا وهو أن فرنسا بحاجة إلى أموال الجزائر، والمشكل أن فرنسا تريد اخذ أموال الجزائر لتنشيط اقتصادها وحمايته من رياح الأزمة الاقتصادية العاتية دون مقابل، ودون تقديم أي تنازل حتى على مستوى ملف الذاكرة فما بالنا بملفات أخرى لها علاقة بالسياسة الفرنسية غير المتوازنة فيما يتصل بقضايا قارية وإقليمية على رأسها قضية النزاع في الصحراء الغربية والتدخل العسكري في شمال مالي. لا داعي للانزعاج من رفض حكومة هولاند تعويض الجزائريين ضحايا التجارب النووية التي أجرتها في الصحراء الجزائرية، ففرنسا رفضت ما هو اكبر من هذه الجريمة التي تعد مجرد جزئية في مسلسل الليل الاستعماري الطويل، وهي حلقة من سلسلة جرائم فرنسا في الجزائر منذ دخول فرنساالجزائر إلى غاية الاستقلال. المسؤولون الفرنسيون أعلنوا منذ البداية أنه لا مجال لاعتذار فرنسوا هولاند عن الماضي الاستعماري خلال زيارته المرتقبة للجزائر، وكل من يتوقع العكس يضحك على نفسه ويضحك على كل الجزائريين، فملف الذاكرة هو تقريبا مطوي بالنسبة للساسة الفرنسيين الذين رسموا خط سير واحد يسير عليه اليمين واليسار على حد سواء، هذا الخط مبني على مسلمة بالنسبة للفرنسيين تقول بأنه لا مجال للاعتذار وان أي نقاش حول الماضي الاستعماري يجب أن يكون حبيس المختصين في قضايا التاريخ، وبتعبير آخر فإن فرنسا لا ترى جرائمها في الجزائر إلا مرحلة تاريخية وقد انتهى عهدها، فيكون من حق الفرنسيين أن يقيموا كما شاؤوا هذه الفترة، بحيث يكون من حق البعض أن يعتبرها مؤلمة ومن حق البعض الآخر أن يعتبرها ضرورية، وربما ناصعة البياض وبعبارة أخرى رسالة حضرية. لا يجب أن نسأل الفرنسيين عن أهدافهم من الزيارة، ولنسال أنفسنا ما الذي نريده نحن من فرنسا، فإن لم يكن الاعتذار فهناك ملفات أخرى لا تقل أهمية، وما دام أن فرنسا الاشتراكيين تريد أن تتكلم بالاقتصاد والراغماتية فلما لا نواجهها بنفس اللغة، بدلا من التشبث بالاعتذار الذي لن يأتي إلا بعد معارك قد تدوم عقود طويلة.