مشروع قانون المحاماة الجديد المؤرخ في مارس 2010 محل الاحتجاجات الأخيرة التي لوحت بالإضراب لولا تبني الحكمة من قبل أصحاب الجبة السوداء و وزارة العدل باعتماد آلية الحوار الصريح ، الشفاف و البناء، فمشروع القانون فيه ما يعاب عليه وما يُبرر موقف النقباء وعمداء المحامين ، و خطوة إصلاح محتواه بما يتناسب و ما يُمكن أن ينتظر من قانون محاماة في مستوى تطلعات كل طرف وضمن فلسفة حق الدفاع ، لازالت الظروف ممكنة لاستدراك نقائصه ما دام لم يطرح بعد للمناقشة والتصويت عليه أمام المجلس الشعبي الوطني على اعتبار أنه بعد عرضه على مجلس الحكومة ثم مجلس الوزراء و من تم البرلمان ، كقانونيين لا يمكننا المطالبة إلا في نطاق الحدود و الآليات التي يمنحها لنا القانون. ومن هذا المنطلق لعله من الجدير التعويل على العمل التحسيسي داخل المجلس الشعبي الوطني من خلال تفكير نواب الشعب في تخصيص يوم برلماني لشرح أحكام ومبادئ حقوق الدفاع في الجزائر والقانون المقارن من طرف خبراء أخصائيين والتعرض لمقارنة أحكام المشروع الجديد مع أحكام القانون الساري المفعول 0491 للتعرف على مواضع النقص ومواقع الخلل والمقترحات البديلة كمرحلة سابقة على مناقشته. سيما إذا علمنا أن مشروع قانون المحاماة الجديد فيه أخطاء كثيرة جدا تخالف قواعد المحاكمة العادلة و مبادئ الأممالمتحدة الأساسية بشأن دور المحامين التي أعتمدها مؤتمر الأممالمتحدة الثامن لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المعقود في هافانا من 27 أوت إلى 07 سبتمبر,1990 بالنظر لكونه يقيد حقوق الدفاع المرتبطة بالنظام العام و فيه تراجع عن كثير من مكتسبات مهنة نبيلة للدفاع عن حقوق الأجنبي و المواطن و مصالح الوطن، رغم أنه في الآونة الأخيرة ربما لحقها التحقير، بسبب تجاوزات البعض وقفزهم على أخلاقياتها بإساءة استخدامها، و هذا ما سنتوقف عنده في موضعه. يتضمن هذا المشروع 134 مادة تتضمن سبعة محاور تستوقفنا فيها كثير من المحطات. أولا: الأحكام العامة: يؤكد المشروع كما ورد في عرض الأسباب المرفقة به في باب الأحكام العامة أن المحاماة مهنة حرة و مستقلة تعمل على حماية وحفظ حقوق الدفاع و تساهم في تحقيق العدالة و احترام مبدأ سيادة القانون و ضمان تمثيل ومساعدة والدفاع عن الأشخاص أمام الجهات القضائية والهيئات الإدارية والتأديبية، هذا ما ورد في عرض الأسباب للمشروع التمهيدي للقانون، و هو نفس مقتضى أحكام المادة 01 من القانون 0491 ، ولقد جاءت الأحكام العامة في الباب الأول في المواد .030201 ثانيا: مهام وواجبات المحامي و حقوقه: تناول الباب الثاني من المشروع أربع فصول ، الفصل الأول تعرض لمهام المحامي في المواد من 04 إلى 06 ، والفصل الثاني تعرض للواجبات من المواد07 إلى ,20أما الفصل الثالث فقد تعرض لحقوق المحامي في المواد من 21إلى ,25لتكون مواد الواجبات 14 مادة و مواد حقوق المحامي فقط 05 ، أما الفصل الرابع فقد خصص لحالات التنافي في المواد من 26 إلى .29 وهنا تستوقفنا المادة 05 من المشروع في الفقرة الأخيرة من أنه يُعفى المحامي من تقديم أي توكيل، و هذه النقطة و إن كانت مؤيدة من طرف أغلب المحامين غير أن الأفضل للمهنة ومن باب حسن سير العدالة لو يصبح تقديم تصريح بتوكيل محامي في شكل مطبوعة موحدة و نموذجية أفضل من عدمه، لأنه من جهة فيها حماية لحقوق المحامي في جانب أتعابه فلا يمكن إنكار توكيله من طرف موكله إذا تراكمت عليه الديون من أتعاب وكيله ، و حماية للموكل و حماية للمهنة من التنصيبات المتكررة عشوائيا بما يشكل مخالفة جلب الزبائن كخطأ تأديبي، فيكون التصريح بتوكيل محامي و تاريخه دليل في الملف يخضع لرقابة منظمة المحامين بل و حتى القضاء عند الاقتضاء حال وقوع منازعة قضائية أو تحكيم. أما المادة 05 في فقرتها الأخيرة و إن كانت تحظى بتأييد المحامين بما يوقع مرونة في التنصيب بالدرجة الأولى ، إلا أن الأشكال الجديدة للجريمة تجعل منها سلاح دو حدين ، على اعتبار التنصيبات غير البريئة التي يقوم بها أشخاص يصعب تحديد هويتهم بالتدليس على بعض المحامين بتأسيسهم بنية الوصول إلى معطيات التحقيق ، خصوص في المادة الجزائية لأغراض يدركونها هم و لا يستقرئها المحامي بالضرورة من الأشخاص الذين يتقدمون لديه بصفة قريب أو صديق المتهم من أجل تنصيبه بغرض الوصول إلى معلومات الملف القضائي. فاشتراط التوكيل بملأ مطبوعة موحدة يحمي المحامي من حيث أحقية أتعابه وفيه أيضا حماية له من أي تنصيب مُغرض يُغرر بالمحامي و يُسيء لهيئة الدفاع، و قد أثبت الميدان عدة وقائع أفرزت قيام شبكات تهريب المخدرات بالسعي لتوكيل محامين بغرض الإطلاع على جملة التصريحات التي قد تورط البعض ليس إلا، لأن من الأشكال الجديدة للجريمة المنظمة حسن التحايل على المحامي و التدليس عليه لتسريب معلومات الملفات القضائية إلى حيث لا يجب أن تصل. ومن الممارسات في بعض القوانين المقارنة نجد دولة اليمن الشقيقة أين جعلت ضمن آليات مكافحة الفساد في تقنينها للقانون رقم 39 لسنة 2006 المتمم بقرار رئيس الجمهورية رقم 19 لسنة 2010 بشأن اللائحة التنفيذية لقانون مكافحة الفساد 0639 لا سيما في المادة 02 أين جعلت المحامي في حكم الموظف العام و جعلت قانون مكافحة الفساد يُطبق عليه ، ومن تم الذي أراه أنه لو يكون هناك تصريح بتوكيل محامي فيه بيانات الوكيل و الموكل و تحديد مهام الوكالة طبقا للقواعد العامة للوكالة كما هي منصوص عليها في القانون المدني و بالمهام الخاصة المنوه عنها في قانون المحاماة، يكون الأداء و الحماية و الفاعلية أفضل بكثير، مما يعود بالنفع لصالح الحق و العدالة و يحفظ كرامة و نزاهة المحامي. أما عن المادة 06 إن مساس المادة 06 بالسيادة الوطنية جلي كونها تفتح الباب للمحامي الأجنبي في حق المرافعة أمام الجهات القضائية على مطلقها بمجرد الحصول على إذن نقيب المحامين ؟؟ الإشكال المطروح ماذا لو تعلق الأمر بالمرافعة أمام القضاء العسكري ؛ سوف يرد بان الرفض من النقيب سيكون مآل الطلب ؛ غير أن من الأسلم انتهاج ما ذهبت إليه بعض التشريعات في بلدان كالمغرب أين الترخيص يكون برخصة مسبقة من وزير العدل في كل قضية على حدى ( المادة 31 من قانون المحاماة المغربي) كذلك الواقع بخصوص اتفاقيات التعاون مع مكاتب المحاماة الأجنبية ( المادة 70 ) التي لم تجعل أي ضابط في هده الحالة. كل هذا يقتضي منا التوقف و التفكير، بدراسة جانب الاستشراف لهذا القانون و الأبعاد الإستراتيجية له أو ما يسمى في الفقه التقليدي عند فقهاء القانون بدراسة مآلات الأفعال. كما نصت المادة 06 من المشروع على أنه يُمكن للنقيب سحب الترخيص بنفس الأشكال في أي مرحلة كانت عليها الإجراءات دون ضوابط يُعتبر خرق لمعايير المحاكمة العادلة و المنصفة و إضرار بمصلحة المتقاضي و إخلال بحقه في الدفاع و حقوق الدفاع كما يعلم الجميع من النظام العام، و هذا يجعل نص المادة يقتضي المراجعة و التعديل بما يسد الخلل فيها ، فتأمين النصوص القانونية يستوجب ويقتضي عدم مساسها بالمبادئ الأسمى. عن واجبات المحامي: المادة 07 من المشروع توجب على المحامي أن يفتح مكتبا في دائرة اختصاص مجلس قضائي و لا يجوز له أن يتخذ إلا مكتبا واحدا !! وهنا نلاحظ تعارض المادة 07 من المشروع مع ذهبت إليه روح المشروع ذاته ، ذلك أنها تنص على التزام المحامي بفتح مكتب وحيد ، في حين أن المادة 97 من القانون رقم: 91/04 وحتى المادة 55 من المشروع تمنح للمحامي حق فتح مكتب ثانوي في إطار شركة مدنية للمحاماة ، و حتى مكتب ثانوي في الخارج ، فمن الأسلم التنسيق بين المواد كجعل النص يتضمن عبارة : ( مع مراعاة أحكام المادة 55 من هذا القانون). [0] و تبقى المادة 09 من المشروع التي أسالت حبرا كثيرا و كانت محور جدلا قانونيا واسعا لما نصت على أن: ( كل عرقلة صادرة عن المحامي تؤدي إلى المساس بالسير العادي لمرفق العدالة ترتب مسؤوليته) ، وكأن المحامي يُفترض فيه أن عرقلة العدالة والمساس بالسير العادي لمرفق العدالة لا تكون إلا من جانبه !! فهل يجوز إستقراء من خلالها النظرة السائدة التي أصبحت ينظر بها لهيئة الدفاع ؟ نتمنى أن لا تكون كذلك لأنه لا يستقيم عدل ولا ينعقد إنصاف إلا بمحامي نزيه وكفؤ و قاضي عادل لا يَظلم و لا يُظلم عنده أحدا، لأننا ربما نكون في زمن مُختلف وعصر مفاهيم مختلفة و قيم غير متكافئة ، فقد تقضى زمان مضى كان يَخشى القاضي فيه أن يُخطئ فيَظلم، و صرنا في زمان قد يخشى القاضي فيه أن يُصيب فيَعْدل، فوجب مراعاة معايير المحاكمة العادلة من قضاء كفؤ مستقل ودفاع نزيه مستقل مساهم في الإنصاف وإقامة العدل. أما المادة 11 من المشروع و التي نصت على أنه : ( يُمنع على المحامي السعي لجلب الزبائن أو القيام بالإشهار لنفسه، و يُمنع كل إشهار يتم بإيعاز منه أو بقبول منه يهدف أو يؤدي إلى لفت أنظار الجمهور إلى كفاءته المهنية ) جاءت هذه المادة في سياق أحكام المادة 78 من قانون المهنة الساري المفعول رقم:91-04 و فيها تراجع عن مكتسبات المادة 102 من النظام الداخلي لمهنة المحاماة والتي تنص على أنه : ( يمنع على المحامي البحث عن إشهار متعلق بشخصه سواء بصفة مباشرة أو غير مباشرة ، كما يُمنع عليه تقديم موافقته لأي شكل من الإشهار المهني أو تزويد هذا الأخير بأي وسيلة كانت ، و يُمكن المحامي الذي يُحرر في الجرائد أو في المجلات مقالات متخصصة في أبحاث قانونية ، أن يتبع اسمه بصفة محامي بالمجلس القضائي ، يُعد إعلام الجمهور بمهنة المحاماة ، من اختصاص نقيب المحامين ، يُعتبر الإشهار الوظيفي لنقابة المحامين من اختصاص منظمات المحامين الجهوية و منظمة المحامين الوطنية دون سواها) ، و في الواقع لا مُبرر للتراجع عن هذه المكتسبات ، و في مختلف الدول مسموح بأكثر منها وليست إشهارا مهنيا فلعله من الحكمة النظر إلى الآخر والاستفادة من كل تجربة تشريعية في العالم العربي و الغربي. يتبع