أخطأت فرنسا لما تدخلت بأسلوب الوصي على المنطقة، ولم تدرس الموضوع من الناحية الاجمالية، بحيث يمكنها أن تستعمل القوة العسكرية تحت مظلة الأممالمتحدة، أو الحلف الأطلسي، وهذا ما جعلها المستهدفة الوحيدة من جهة المسلحين الإسلاميين في مناطق الصراع الإفريقي، مثل الصومال والمالي، والتي يرتبط بعضها بتنظيم القاعدة، والتي سيطرت على مجمل المناطق الشمالية في الساحل، ويحاول المسلحون الإسلاميون فرض تطبيق تفاسير متشدد للشريعة الاسلامية على المنطقة، مع ارتفاع وتيرة الاضطرابات للقوى إقليمية وغربية عن قلقها المتزايد من احتمال انتشار التهديد الأمني الذي يمثله المتطرفون وجماعات الجريمة المنظمة. حيث توعدت جبهة أنصار الدين بلهجة شديدة استهداف كل الرعايا الفرنسيين في انحاء العالم، وتخريب كل المصالح الفرنسية في أي مكان. بسبب التدخل العسكري في شمال مالي، وهذا حين أكد الرئيس الفرنسي استمرار العملية العسكرية في مالي مع طلب الأممالمتحدة الإسراع بتنفيذ القرارات التي تسمح بنشر قوة دولية، وعلى غرار هذه التطورات أعلن النظام المالي حالة الطوارئ وناشد الرئيس المواطنين إلى قتال المسلحين في كل مكان في البلاد. ومن جهته أعلن الجيش المالي أنه قتل العشرات من الإسلاميين المسلحين بمدينة كونا، حيث دارت معارك شرسة على ضفاف هذه المدينة بين القوات الحكومية المدعومة من فرنسا، ومسلحين الجماعات الإسلامية تابعة لتنظيم القاعدة. وتكمن أخطاء فرنسا أيضاً في الطريقة التي تتعامل بها مع الحدث، وردود الفعل التي تنجر من خلال تصريحات المسؤولين العسكريين والسياسيين، حيث أدلى وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودرين في مؤتمر صحفي، أن الرهينة التي وقعت تحت أيادي حركة الشباب الإسلامية بالصومال، قد قتلت خلال عملية عسكرية نفذتها القوات الجوية الفرنسية من أجل تحريره. وصرح الوزير أيضاً أن جندياً فرنسياً آخر شارك في عملية المداهمة، توفى متأثراً بجروحه، فيما لا يزال جندي ثان في تعداد المفقودين، وهناك أكثر من سبعة رهائن فرنسيين آخرين لازالوا مفقودين. وقد قتل طيار فرنسي آخر خلال غارة شنتها مروحية فرنسية أثناء مساعدتها للجيش المالي لاستعادة السيطرة على شمال البلاد الذي تبسط نفوذها عليه جماعات مسلحة، وجاء في التقارير الإعلامية الفرنسية، أن الطيار لقي حتفه إثر إصابته أثناء قتال مكثف، وأفادت هذه التقارير بأن قوات من الجيش المالي تدعمها مروحيات فرنسية استعادت بعض المناطق المجاورة لكونا من سيطرة مسلحين، وذلك بعد ساعات من بداية التدخل الفرنسي. وقد رأى بعض المراقبون أن من الأخطاء التي ترتكبها فرنسا في مثل هذا التدخل هي الإعلانات المصرح بها، فمن المفروض أن تكون الأمور سرية في مثل هذه المواقف، وعدم المبالغة في الادعاءات التي يدعها كبار المسؤولين الفرنسيين. وبالرغم أن مجلس الأمن وافق بقرار رسمي على تشكيل قوة تضم ثلاثة آلاف جندي للتدخل في مالي ومساعدة القوات المحلية على استعادة السيطرة على المناطق التي يسيطر عليها مسلحون إسلاميون منذ بداية العام الماضي، لكن مواصلة الجيش الفرنسي غاراته الجوية ضد المسلحين الإسلاميين في مالي، وإرسال المزيد من القوات لحماية العاصمة المالية باماكو من زحفهم، يمكن جعل فرنسا على المحك، وخاصة التصريحات التي جعلتها ترتكب أخطاء جسيمة سيدفع حقها بعض سكان المناطق المجاورة، وكذلك المصالح الفرنسية في كل أنحاء العالم.