رغم الاعتقاد الذي ساد طويلا لدى العامة والذي تأكد عبر السنوات عن اختفاء أمراض الفقر والجهل من الجزائر بصفة نهائية، إلا أن عودة العديد من الأوبئة التي ضربت قطاع الصحة بقوة مؤخرا أثبت بما لا يدع مجالا للشك أن المنظومة الصحية عندنا باتت مريضة وعادت أدراجها إلى الوراء. بدليل عودة أمراض وبائية كالسل،التيفوئيد والقمل والجرب، التهاب السحايا وحتى الكوليرا. أمراض باتت تهدد 10بالمائة من الجزائريين اليوم. يرى الكثير من الأخصائيين أن عودة أمراض الفقر في الجزائر على علاقة وطيدة بانتشار الأحياء القصديرية، و التي بلغ عددها 40 ألف سكن قصديري من ضمن 300 ألف سكن هش.، تنعدم فيها أدنى شروط الآدمية، و تفتقر إلى أساسيات الحياة الصحية من انعدام قنوات الصرف الصحي، وعدم الربط بشبكات المياه الصالحة للشرب، فكل الأمراض والأوبئة المذكورة تنشأ وتنتشر في أوضاع معينة، تتسم بالفقر وقلة النظافة التي تعتبر المتسبب الأول في انتشار هذه الأمراض وانتقالها بنسبة 70 بالمائة من الحالات، فيما يرجع أخصائيو التغذية بدورهم انتشار أمراض الفقر إلى سوء تغذية شريحة كبيرة من المواطنين الذين يعيشون تحت خط الفقر قدر عددهم ب3 مليون جزائري. تلاميذ المدارس أكثر من يدفع الثمن ما من وباء إلا وضرب المدارس الجزائرية في الآونة الأخيرة، إلى درجة أن الأولياء صاروا يعيشون حالة من الذعر كلما سمعوا عن انتشار مرض ما عبر مدارس الجزائر أصابهم الهلع، خاصة بعد انتشار القمل الذي غزا المدارس الجزائرية مؤخرا ولم يسلم منه أحد لا أبناء الفقراء ولا حتى الأغنياء، إلى درجة أنه انتشر حتى في المدارس الخاصة وأثار حالة من الصدمة في أوساط الأولياء. تقول أم مروة: ز سمعنا مؤخرا عن تسجيل حالات لمرض التهاب السحايا في بعض المدارس، ولم نتأكد إذا كان الأمر حقيقة أم إشاعة لاقتناعنا بأن المدارس غالبا ما تتكتم عن هذه الحالات خوفا على المستقبل الدراسي للتلاميذ وتجنبا لحالات الفوضى، وفي مثل هذه الحالات لا نحسن نحن الأولياء التصرف، لأن غياب الأطفال عن الدروس لفترة طويلة ينعكس سلبا على مستقبلهم الدراسي، لكن المخاوف من المرض لدى الأمهات غالبا أكبر من مخاوف الإخفاق الدراسي، خاصة إذا تعلق الأمر ببعض الأمراض الوبائية.س أما مجيد وهو أب لتلميذين في الطور الابتدائي فقال هو الآخر أن مرض ز لامينانجيتز مرعب وبعد الإشاعات التي راجت عن تسجيل عشرات الحالات والاشتباه في أخرى، صار تخوفنا من هذا المرض على أبنائنا أكبر، خاصة وأن تأثيره أخطر على الأطفال بسبب مناعتهم الضعيفة وكل أملنا أن تلتزم الجهات الصحية و التربوية الشفافية تجاه الموضوع ولا تتكتم عن الأمر. 80 بالمائة من حالات السل سجلت بين أطفال القصدير حذر رئيس الشبكة الجزائرية لحماية الطفولة زنديس، عبد الرحمان عرعار، من الانتشار غير المسبوق لأمراض الحساسية والجرب، التقمل والسل، لدى 80 بالمائة من أطفال البيوت القصديرية جراء معاناتهم من الرطوبة والضيق وانعدام أدني شروط النظافة. وفي هذا الإطار، دعا عرعار المسئولين إلى ضرورة التفكير في مستقبل هؤلاء الأطفال الذين يجب أن يعيشوا في بيوت كريمة تضمن لهم وضعية صحية ونفسية آمنة، قبل أن يكشف استقباله لعدد كبير من الأطفال الذين يعانون من ضغوط نفسية وأمراض مزمنة بسبب مضاعفات بيوت القصدير، تماما كما أرجع البروفيسور نافثي سليم، رئيس مصلحة الأمراض الصدرية والسل بالمستشفى الجامعي مصطفى باشا، أسباب انتشار حالات السل بالجزائر، والتي وصل عددها إلى 25 ألف حالة سنويا من بينها 10 آلاف حالة معدية، إلى الفقر والوضعية الاقتصادية التي تشهدها الجزائر، مضيفا أن سبب إصابة الأطفال بالمرض هو عدم تلقيحهم بالدرجة الأولى بسبب تكلفة اللقاح. فيما حذرت هيئة الفورام على لسان الدكتور محمد صحراوي والبروفيسور خياطي من عودة قوية للأوبئة إلى الجزائر، وهذا بسبب انتشار الأحياء القصديرية التي تفتقر إلى أدنى شروط النظافة والتهيئة، فقد تم تسجيل هذا النوع من الأمراض في أكثر من 10 ولايات و يتعلق الأمر » ببوشوكة«، والجدري و»بوحمرون«، الحساسية والحصبة. وكذلك انتشار القمل، مع عودة أمراض أشد خطورة كالسل وتفشي الكبد الفيروسي والديفتيريا والتيتانوس.و يرى شصمحمد صحراويصص، طبيب أطفال وعضو في الفورام، أن ظهور القمل يرتبط بالمناطق البدوية كالجبال وكذلك بالمحيط الذي تنتشر فيه الأوساخ، حيث تغيب شروط النظافة. وفي حال الإصابة بعدواه أكد المختص أنه ينبغي القضاء على الحشرة من الجذور وهذا عن طريق خضوع كل أفراد العائلة إلى التنظيف، وهو ما يتم من خلال الإنقاص من حجم الشعر. وتتسبب تلك الحشرات في حدوث عدة أمراض كالقلق والجروح جراء الحكات المستمرة على مستوى الجلد وفقر الدم نتيجة امتصاصها لكميات من الدم، لكن الظاهرة انتشرت حتى في العاصمة وبشكل كبير وغزت حتى المدارس الخاصة التي يرتادها الأغنياء. اتحاد جمعيات أولياء التلاميذ يدق ناقوس الخطر كشف أحمد خالد رئيس اتحاد جمعيات أولياء التلاميذ، النقاب عن عودة قوية للأمراض الوبائية، وأرجع سبب ذلك إلى غياب الوقاية ونقص عدد الأطباء الذين يمارسون ضمن وحدات الكشف المدرسي، حيث يشرف 1539 طبيب عام على متابعة صحة أكثر من ثمانية ملايين تلميذ، بمعدل طبيب واحد لكل 5200 تلميذ. و وتفيد إحصائيات أن 48,2 بالمائة من التلاميذ يعانون من التقمّل، إلى جانب الجرب المرتبط بالفقر عبر مدارسنا، وداء السل الذي يصيب 25 ألف تلميذ. و أكد أحمد خالد أن عودة الفقر للمجتمع الجزائري وراء عودة الأمراض التي كانت سائدة في العشرينات السابقة، خاصة في المناطق الداخلية وفي الريف ولدى سكان الأحياء القصديرية، حيث يعاني السكان الفقر المدقع بسبب غياب الماء والمواصلات وشح الأرض، مقدما في الوقت ذاته سيناريو آخر لعودة هذه الأمراض. ويتعلق بارتفاع أسعار المواد ذات الاستهلاك الواسع وانخفاض القدرة الشرائية للمواطن الجزائري ونقص المواد الغذائية الضرورية لكسب المناعة الجيدة ضد الأمراض.