التطمينات التي أعلن عنها الرئيس المالي بالوكالة ديونكوندا تراوري بعدم حصول تجاوزات وأعمال انتقامية ضد المدنيين بعد سيطرة الجيش الفرنسي والمالي على مدن شمال البلاد وطرد الإرهابيين منها، لم تكن كافية لتغيير الوضع على الأرض، فالشهادات التي ينقلها السكان، وتقارير العديد من المنظمات الحقوقية الدولية تشير إلى استمرار الجيش المالي والعصابات الزنجية المرتبطة به في تنفيذ إعدامات خارج أطر القانون ضد مشتبه بعلاقاتهم مع المسلحين. نقلت العديد من المواقع الاليكترونية عن مصادر قيادية بالحركة العربية الأزوادية قولها أن ستة عرب من سكان مدينة تمبكتو التاريخية قتلوا بدم بارد مباشرة بعد انتهاء زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند للمدينة، وصرح القيادي في الحركة ومسؤول العلاقات الدولية فيها محمد مولود أن عناصر من ميلشيات »الغانداكوي« الزنجية المالية هاجمت قرية »لكراكر« العربية التي تبعد حوالي 30 كلم شمال تمبكتو واعتقلوا ستة أشخاص وقاموا بتسليمهم للجيش المالي بمدينة تمبكتو فتولى إعدامهم، ويوجد من بين القتلى، حسب ذات المصدر، مدير مدرسة نور المبين العربية بمدينة تمبكتو، وندد القيادي في الحركة العربية الأزوادية بما سماه الصمت الدولي إزاء التصفيات العرقية ضد العرب، معتبرا أن زيارة الرئيس هولاند لتمبكتو »منحت الغطاء للمجرمين ولمرتكبي المجازر ضد العرب في شمال مالي«. وتتسبب الأعمال الانتقامية التي تقوم بها عصابات مالية موالية للجيش النظامي ضد المدنيين في شمال البلاد في ارتفاع عدد النازحين إلى دول الجوار والذين وصلوا إلى نحو 230 ألف نازح، علما أن العديد من المنظمات الحقوقية الدولية على غرار »أمنستي أنترناشيونال« و»هيومن رايت ووتش«، كانت قد لفتت الانتباه ومنذ بداية إلى العمليات العسكرية في مالي وإلى خطورة التجاوزات التي ترتكب في حق المدنيين، والأعمال الانتقامية التي تحولت إلى مسكوت عنه حتى من قبل بعض وسائل الإعلام التي تركز فقط على الانتصارات المحققة ضد المجموعات الإرهابية من دون الالتفاتة إلى آثارها السلبية لهذه الانتصارات. وقالت منظمات حقوق الإنسان »أن الهجوم الذي تقوده فرنسا في مالي أدى إلى مقتل مدنيين جراء الهجمات الجوية الفرنسية إضافة إلى هجمات انتقامية عرقية قام بها الجيش المالي«، وتحدثت منظمة العفو الدولية ومنظمة »هيومن رايت ووتش« لمراقبة حقوق الإنسان عن تقارير شهود عيان عن أعمال القتل خارج القانون على أيدي القوات الحكومية في مالي لعشرات المدنيين في بلدتي سيفير وكونا، وبحسب منظمة العفو الدولية فإن خمسة مدنيين على الأقل قتلوا في هجوم بطائرة هليكوبتر في أول يوم للتدخل العسكري في مالي، وأشارت منظمة »هيومن رايت ووتش« إلى أدلة على أن قوات الجيش المالي أعدمت ما لا يقل عن 13 شخصا يشتبه في أنهم تعاونوا مع المسلحين وإنهم مسؤولون عن اختفاء خمسة أشخاص آخرين في كونا وفي بلدة سيفير التي توجد فيها حامية عسكرية وتقع أيضا في وسط مالي، وقالت منظمات تنشط في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان إن القوات تستهدف جماعات التوارق والعرب ذوي البشرة الفاتحة المرتبطين بالمسلحين. وصرح جيتان موتو وهو باحث بارز في منظمة العفو الدولية متخصص في غرب أفريقيا في مؤتمر صحفي في باماكو »لم يتخذ الماليون ولا الفرنسيون التدابير الاحترازية اللازمة لتفادي إصابة أهداف مدنية«، مضيفا: »طلبنا من فرنسا ومن السلطات في مالي بدء تحقيق مستقل«، وهذا بالتوازي مع انتهاكات ارتكبها المسلون في مدن شمال مالي التي سيطروا عليها لعدة أشهر، وبحسب منظمة العفو الدولية و»هيومن رايت ووتش« فإن المسلحين قاموا بتجنيد أطفال وقدموا أموالا لآبائهم أو لمدرسيهم، وقال أحد الصبية لمنظمة العفو الدولية إن المسلحين كانوا يحقنون المجندين الأطفال بمادة لمنحهم الشجاعة قبل القتال. وقال الرئيس المالي بالوكالة ديونكوندا تراوري قد أكد في خطاب ألقاه في ساحة الاستقلال في باماكو والى جانبه الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند: »في أجواء الحرية المستعادة، لا تنجروا أبدا إلى الانتقام، اعلم بأنني استطيع أن أعول عليكم لعدم حصول أي تجاوز، أي تصفية حساب«، موجها خطابه إلى عناصر الجيش المالي، مضيفا »اطلب من جميع الذين فروا من منازلهم خشية -حصول- أعمال انتقامية أن يعودوا إليها ويستعيدوا الحياة الطبيعية«. ولا يبدو أن محاولات الرئيس المالي بالوكالة ستفيد في وقف عملية حصول تجاوزات ضد المدنيين في شمال مالي، فمنطق الحرب، والرغبة في الانتقام يسيطران على الوضع في منطقة كان يمكن أن تتفادى الأسوأ لو تم الأخذ بنصائح الجزائر التي رافعت ومنذ البداية من أجل فتح حوار مباشر مع المسلحين الذين يرفضون الإرهاب، والخوض في مسار سياسي سلمي يجنب شمال مالي وكل الساحل الصحراوي ويلات »الأفغنة«.