فضيحة سوناطراك امتحان عسير للسلطة السياسية والقضائية في الجزائر، بل هي امتحان للدولة ككل، وطريقة معالجتها قد تؤثر بشكل مباشر على استقرار البلاد خلال السنوات القادمة. الأسماء التي يتم تداولها في هذه القضية معروفة، وما تم اتخاذه من إجراءات ليس في مستوى حجم الفضيحة التي أضرت بسمعة الشركة النفطية وسمعة الجزائر، والمقصود هنا تحديدا وزير الطاقة والمناجم السابق شكيب خليل الذي يعيش حياة هادئة بين أمريكا وبريطانيا، وابن شقيقته محمد رضا هامش الذي كان يتمتع بسلطة مطلقة جعلته المسير الفعلي لشركة سوناطراك التي كانت ولا تزال تطعم الجزائريين وتوفر لهم أسباب الحياة، وما لا يفهمه الجزائريون إلى حد الآن هو أن المعنيين يعيشان في الخارج ولم تفعل الحكومة ولا القضاء أي شيء لاستدعائهما. السكوت عن هذا الفساد العظيم يمثل تدميرا منهجيا لما بقي من علاقات ثقة بين الجزائريين ودولتهم، فالصورة التي ترسمها الصحافة الجزائرية والأجنبية عن الطريقة التي تصرف بها المسؤولون توحي بأن الجزائر تعرضت لنهب منظم من قبل أشخاص كانوا يتلقون رواتب كبيرة وامتيازات لا حصر لها نظير ما يوصف بأنه خدمات يقدمونها للبلد، وبقاء هؤلاء في مأمن من العقاب يوحي بأن نظام الفساد القائم في البلاد أحكم قبضته على كل التفاصيل ومحاربته باتت أمرا مستحيلا. لقد كان أصل المشكلة النفوذ المطلق لمجموعة من الوزراء الذين كانوا فوق المساءلة، وقد تسبب هذا الوضع الشاذ في إضاعة كثير من الوقت والمال وحرم الجزائر من فرص كثيرة للإقلاع الاقتصادي، ومن المهم أن نستوعب هذه الدروس، فالانفراد بالسلطة والرأي لا يثمر إلا فسادا وظلما، والإصرار على حماية المسؤولين عن هذا الفساد وغض البصر عن أفعالهم سيكون استخفافا بالملايين من الجزائريين الذين يتابعون بكثير من المرارة الغضب والمرارة هذه الأخبار المخزية عن النهب المنهجي الذي تتعرض له البلاد والذي يستهدف استمرارها كدولة واحدة موحدة.