قضية سوناطراك يمكن أن تتحول إلى فضيحة كبرى تكشف مدى انتشار الفساد، وبصرف النظر عن القراءات السياسية لهذه القضية، فإن الرسالة المطولة التي نشرها مسؤول سابق في الشركة على صفحات جريدة الوطن قد تكون سابقة تحيي الأمل ببروز حس المواطنة لدى المسيرين على مختلف المستويات والذين بإمكانهم فضح الفاسدين الذين يستفيدون من الصمت الذي تلجأ إليه الأغلبية خوفا من الانتقام وإيثارا للسلامة. الفساد تحول إلى نظام قائم بذاته، غير أن هذا النظام لا يمكن أن يكون عصيا على التفكيك، وحتى إذا كان هناك من يريد أن يلتف على الفضائح ليقدم كباش فداء ويطوي الملف دون أن يوقف الفساد، فإن الشجاعة التي قد يتحلى بها مسيرون وإطارات من ذوي النزاهة والوطنية الصادقة يمكن أن تفسد كل خطط الذين يريدون حماية الفساد بمراوغات قضائية أو إدارية تجعل التحقيقات مجرد جعجعة بلا طحين، ولا شك أن هناك كثير من الإطارات لديهم ما يقولنه بخصوص تسيير المال العام، وليس سرا أن كثيرا من هؤلاء غادروا البلاد وهم الآن يعملون في شركات كبرى في الغرب. لا إصلاح بدون شجاعة، وتحقيق النصر في معركة الفساد يتطلب شجاعة كبيرة من قبل من يملكون المعلومات التي تقود إلى كشف الحقيقة، وكتم الشهادة إثم عظيم لا يمكن تبريره بالخوف أو بالحكمة التي أصبحت شعار الساكتين عن الحق، والأمر هنا لا يتعلق بالنهب الذي يتعرض له المال العام فحسب بل بالفساد السياسي أيضا الذي هو أصل كل فساد. لقد ابتليت الجزائر بنخبة سياسية جبانة ترفض التضحية والنضال، والأمل معقود على موقف شجاع من الإطارات والمسيرين الذين كانوا شهودا على عمليات تخريب منهجية للاقتصاد الوطني، وبقدر إقدام هؤلاء على فضح المفسدين تترسخ ثقافة المواطنة الحقيقية، فالوطن ليس شعارا يرفع بل هو التزام بالدفاع عن مصالح هذا الوطن من كل العابثين مهما كانت صفتهم أو مناصبهم.