لا بد أنه قد وصل إلى المناضلين، في مختلف المواقع والمسؤوليات، ذلك التهديد الذي يتوعد حزب جبهة التحرير الوطني بالمتحف، في وقت يزداد فيه خلافهم وصراعهم وانقسامهم، وكأن معركة الحسم والتصفية هي بينهم وليس ضد خصومهم الذين يتربصون بهم وبحزبهم وبكل ما يرمز إليه من قيم ومبادئ وتاريخ. ولا يخفى أن الأفلان يوجد اليوم في مأزق أو أنه في مواجهة أزمة تهدده في كيانه وفي وجوده، ولعل ما تزخر به الصحف يوميا من أخبار وتحاليل وتصريحات واتهامات متبادلة، يوحي بأن الأفلان يوجد على فوهة بركان وأنه أقرب ما يكون إلى الانفجار الذي سيحوله إلى شظايا أو إلى أطلال! إن ما يعرفه الأفلان، منذ شهور طويلة، من احتكاك واختلاف وتجاذبات، دفع البعض من الفاشلين والمهزومين والمتنطعين إلى الدعوة، دون شعور بالحشمة والحياء، إلى قتل الأفلان ودفنه وإيداعه المتحف أو وضعه في رف من رفوف التاريخ، يحدث ذلك بينما أبناء جبهة التحرير في صراعهم مستمرون، وكأن ما يتهدد حزبهم لا يعنيهم أو أن ما يحدث من ممارسات تضرب الحزب في وحدة صفوفه وفي شرف أعضائه وفي مصداقية شعبيته، أمر لا يدعو إلى الاستفاقة من هذه الغيبوبة التي طالت. نعلم جيدا أن الأفلان لم يمت في أكثر من حرب ومعركة ومؤامرة، رغم أن هناك، وفي كل مرة، من يسارع إلى تدبيج خطب التأبين، ومن يستعد لحضور مراسم الدفن، ومن يستعين بما يجب لسكب دموع التماسيح! لم يمت الأفلان، وكان في كل مرة يعود إلى حضن أبنائه، وكثيرة هي الشواهد التي تؤكد بأن المتحف كان مصير أولئك الذين تجرؤوا على الدعوة لإيداع الأفلان في المتحف، فإذا بهم نسيا منسيا، وإذا جبهة التحرير لا تزال باقية. تلك هي الحقيقة التي لا تقبل النسيان. وندرك جيدا أن الأفلان لا يزال إلى اليوم غصة في حلوق الاستعمار وأذنابه، وأن ذلك يسري على أولئك الذين جعلوا من محاربة الأفلان علة وجودهم! هذه ''القوى المفزوعة'' تريد منه أن يتنازل عن مكانته وأن يلتزم الصفوف الخلفية وأن يدع ما بين يديه من رصيد ومكاسب، تاركا موقعه إلى أولئك الذين يحصدون الأصفار في كل امتحان. قد نقول ذلك وأكثر، لكن الأهم، هو أنه إذا كان للبعض أو للكثير من قيادات الأفلان خصومة أو حسابات ، فلهم ذلك، ومن حقهم طلب الحساب على كل كبيرة وصغيرة، فالحزب حزبهم، وهو ملك لكل مناضليه وإطاراته، لكن على أن لا يعني ذلك تدمير الحزب وتقديمه على طبق من فضة أو ذهب إلى خصومه ومنافسيه، الذين لم يصدقوا ما تراه أعينهم من مشاحنات وملاسنات وخصومات، بين مناضلين كان يضرب بهم المثل في التماسك والتلاحم في ظروف ومنعطفات أخطر مما يعرفه الأفلان اليوم. إن بعض المناضلين، في هذا الموقع أو ذاك، قد يغيب عنهم في اللحظة القائمة، الراهنة، أن الأمواج العاتية التي تهز المحيط تتهدد السفينة ذاتها بينما هم غارقون في التخاصم، لذلك فإن ما يتوجب على أبناء الأفلان، كل أبناء الأفلان، الانتباه له هو أن الظرف حساس وخطير للغاية؛ وأنه لا مجال للمغامرة بمستقبل الحزب الذي يمثل استقراره وتماسكه دعامة أساسية لاستقرار الوطن. إن الأفلان يجتاز اليوم مرحلة من أخطر مراحل تاريخه، ولابد أن المناضلين والمتعاطفين مصدومون من هذا الذي يجري تحت عناوين مختلفة. وإذا كان من الطبيعي جدا في حزب كجبهة التحرير الوطني ، أن تتباين الرؤى وتختلف التقديرات، بل وتتنافر المصالح وتتنافس الزعامات، فإن العقل والمنطق والنضال الصادق،يفرض أن تتقاطع كلها وتتلاقى عند المصلحة العليا للحزب التي تذوب كلها أمام الرسالة التاريخية الثقيلة الملقاة على عاتق ورثة الشهداء والمجاهدين. إنه لا اختلاف على أن جبهة التحرير هي اليوم رهينة أوضاع غير طبيعية، تعيق حركتها، وأن مناضليها، مهما كان موقعهم من الصراع، يعيشون حالة من الإحباط والحسرة، إذ لم يعد مقبولا الاستمرار في هذا المأزق سيما وأن هذا »الغثاء« الذي نراه اليوم في حضيض التمزق يتوفر على طاقة كامنة تنتظر من قيادات الحزب ورموزه، تلك الهبة التي توقظ الجميع، وإن من يقرأ التاريخ بتدبر يعلم أن استعادة جبهة التحرير لوحدتها ولمكانتها ودورها ليس بعيدا أو مستحيلا. لذلك فإن الخلاف بين أعضاء اللجنة المركزية لا ينبغي أن يكون من أجل الغلبة أو الربح بل يجب أن تكون المعركة بينهم معا لكي يبقوا معا، ومن هنا فإن مسؤوليتهم- وهم الذين لا يفرطون أبدا في دارهم الجامعة- مسؤولية عظيمة في إعادة اللحمة، بعيدا عن الإقصاء وتصفية الحسابات والمواقف الشخصية والرؤى الضيقة، وذلك حتى لا يكتب عليهم التاريخ يوما أنهم حققوا الهزيمة ليس فقط لأنفسهم بل لحزبهم، وعندها سيفرح كل الذين لا يرون مصيرا لجبهة التحرير غير متحف التاريخ. إن الزعامات تغيب وتزول، أما جبهة التحرير فهي الباقية، ذهب فلان وانزوى علان واختار الآخر الاستراحة وأصبح مصير هؤلاء جميعا بيد التاريخ، ولذلك فإن شعار »علي وعلى أعدائي« يجب أن يسقط من قاموس كل مناضل غيور على حزبه، إذ أن الخسارة ستكون من نصيب الجميع، خاصة في هذا الظرف الذي يقتضي من قياديي الأفلان أن يكونوا في الصف الأول دفاعا عن الجزائر الآمنة والمستقرة وفي مواجهة ما يتهددها من هزات وويلات. إن رسالة نوفمبر أمانة في أعناق كل المناضلين، وهؤلاء جميعا- سواء كانوا في هذا الصف أو ذاك - ليسوا في حاجة إلى من يعلمهم حب جبهة التحرير الوطني، وبالتالي فهم لا يريدون- هذا هو المطلوب- أن يروها مشتتة أو مشوهة أو عاطلة، كما أنهم لا يختلفون على أن جبهة التحرير التي تبقى وتنتصر هي التي يكون منبرها فوق الأشخاص والزعامات وأيضا التي لا تأكل أبناءها ولا تتنكر لرجالاتها ورموزها. فهل أتاكم حديث المتحف، يا أبناء جبهة التحرير، وهل آن الأوان لكي يكون الرد قويا وفي مستوى التحدي، إنه السؤال المطروح على كل مناضل أصيل، مهما كان موقعه ومهما كانت مسؤولياته، وإذا لم يرق أعضاء القيادة إلى مستوى الوعي بهذه الأخطار، فإن التيار الجارف لن يرحم أي أحد. فيا أبناء جبهة التحرير، لقد وصلكم التهديد والوعيد وقد آن الأوان لكي تعودوا جميعا إلى بيتكم الكبير، اليد في اليد والكتف للكتف، لمواجهة الوضع بشجاعة وحنكة وحكمة المناضلين الشرفاء، بالذهاب إلى اجتماع اللجنة المركزية بقلوب مفتوحة وصافية وصادقة واختيار أمين عام يحظى برضاكم، وبعد هذا الاجتهاد معا لتحديد الإجابة الواضحة للسؤال الذي يقول: الأفلان.. إلى أين؟ أول الكلام عندما أختلف معك أستخرج أفكاري ولا أستخرج مسدسي