يعرف حزب جبهة التحرير الوطني منذ أيام أزمة داخلية خطيرة، تنذر بنتائج وخيمة على الحزب، إذ أنها تتزامن مع ضربات تستهدفه من أكثر من اتجاه، بما فيها التي يتلقاها من جنباته. وقد يتبادر إلى الذهن جواب جاهز يقول: إن ما يحصل ظاهرة طبيعية وأن تاريخ الأفلان زاخر بمثل هذه الهزات وأنه في كل مرة كان يخرج منها أقوى وأكثر تماسكا، لكن ينبغي- في تقديري- ونحن على أبواب انتخابات تشريعية مفصلية، عدم التهوين من ذلك أو اعتباره أمرا عاديا أو القول بأن تلك الأزمات قد تعود عليها الحزب عند كل انتخابات. لكن، أليس المطلوب أولا هو أن يحاسب المناضلون أنفسهم، مهما كان الموقع الذي هم فيه، في هذه الجهة أو تلك، ألا يعي كل هؤلاء، أنه ومهما بلغت الخلافات، فإنه بمقدور هيئات الحزب ورصيده استيعابها والنظر فيها، بما يتطلبه الظرف وبما يخدم الأهداف المنشودة، التي يأتي في مقدمتها التمكين لحزب جبهة التحرير الوطني في التشريعيات المقبلة. إن الحزب يجتاز اليوم مرحلة من أخطر مراحل تاريخه، ولابد أن المناضلين والمتعاطفين وكل الوطنيين مصدومون من هذا الذي يجري تحت عناوين مختلفة. وإذا كان من الطبيعي جدا أن تتباين الرؤى وتختلف التقديرات، بل وتتنافر المصالح، فإن النضال الصادق والانتماء الأصيل يفرضان أن تتقاطع كلها وتتلاقى عند المصلحة العليا للحزب، التي يجب أن تتجسد اليوم في الذهاب إلى الانتخابات المقبلة بقوى موحدة ومتراصة، كلها عزم وتصميم على تحقيق الفوز للحزب وللجزائر. إنه لا اختلاف على أن حزب جبهة التحرير الوطني يتعرض إلى حملة شرسة من خصومه الذين يريدون له نهاية ، لذا فإنه لم يعد مسموحا لأي أحد، في القيادة وفي القاعدة، أن يرهن مصير الحزب أو يتلاعب بمستقبله في هذا الظرف بالذات، إذ أن الساعة هي لتوحيد الصف والذهاب معا إلى انتخابات حاسمة، محكوم على الأفلان أن يكسبها بجدارة، بإرادة المناضلين الأوفياء واختيار الشعب السيد. إن الخلاف بين الإخوة، وهو مشروع تكفله النصوص والقوانين، لا ينبغي أن يكون من أجل الغلبة أو الربح بل يجب أن تكون المعركة بينهم معا لكي يبقوا معا، ومن هنا فإن مسؤولية الجميع، وخاصة قادتها ورموزها وحكمائها ومجاهديها، مسؤولية عظيمة في إعادة اللحمة بين أبناء حزب جبهة التحرير الوطني وتفويت الفرصة على خصومها وأعدائها التقليديين المتربصين بها، وذلك حتى لا يكتب عليهم التاريخ يوما أنهم حققوا الهزيمة ليس فقط لأنفسهم بل لحزبهم، رمز الوطنية والتحرير والوفاء لقيم ثورة نوفمبر المجيدة، وعندها سيفرح كل الذين لا يرون مصيرا لجبهة التحرير غير متحف التاريخ. إن الخسارة ستكون من نصيب الجميع، سواء كانوا في هذا الصف أو ذاك، خاصة في هذا الظرف الذي يقتضي من قياديي الأفلان أن يكونوا في الصف الأول دفاعا عن حزبهم وعن رسالته في خدمة الجزائر وطنا ودولة وشعبا. إن رسالة نوفمبر أمانة في أعناق كل المناضلين، وهؤلاء جميعا- سواء كانوا مؤيدين أو غاضبين- يجب عليهم أن يتجاوزوا ذاتياتهم ويتعالوا عن خلافاتهم، من أجل جبهة التحرير التي تبقى وتنتصر بهم جميعا، دون إقصاء أو تهميش، إنه نداء لأبناء جبهة التحرير الوطني، الذين عليهم أن يتحملوا المسؤولية قبل فوات الأوان.