عندما يكون الصديق أقرب إلى صديقه من والده أو والدته أو أحد أشقائه فلابد حينها أن ندق ناقوس الخطر ونتوقف كثيرا عند الأسباب التي تجعل 75 % من الشباب الذين شملهم استطلاع »صوت الأحرار« يختارون الأصدقاء قبل الأهل باعتبارهم الأقرب والأكثر ثقة. في استطلاع أجرته »صوت الأحرار« شمل 100 شاب وشابة تتراوح أعمارهم بين 17 و22 سنة من طلاب ثانويات البليدة وجامعة سعد دحلب، جاءت النتائج لتعكس حجم الهوة بين جيل الآباء وجيل الأبناء، وتظهر في الوقت ذاته مدى خطورة أن يجيب 63 من أفراد العينة المشاركة أنهم لا يعرفون هدفهم في الحياة على وجه الدقة، وهي النتيجة التي اختلف معها المختص النفساني عبد القادر بن عيشوية إطار بوكالة التنمية الاجتماعية، حيث علق على هذه النقطة تحديدا بقوله أن هذا الرقم أقل من الواقع بكثير لأني أعتقد أن 99 من شباب اليوم لا يعرفون مستقبلهم ولا يدرون إلى أين هم متجهون يكشف الإستطلاع أيضا حجم الفجوة بين الأبناء والأباء فلدى الإجابة عن السؤال الذي يقول، من هو الشخص الذي تصنفه أقرب الناس إليك؟ أجاب 75 من الشباب أنه »الصديق« بينما جاء الأهل في المرتبة الثانية بنسبة 20 والأشقاء ثالثا بنسبة 5 وعن تصورهم بشأن حقيقة المشكلة التي تواجه الشباب في تعاملهم مع الأهل أجاب 68 من الذين شملهم الإستطلاع بأنهم يجدون صعوبة في إرضاء الأهل، وردا على سؤال آخر بشأن أكثر ما يراه الشباب مزعجا في الكبار أجاب 65 منهم بأنهم يتوقعون من الشباب أن يفعلوا الأشياء على طريقتهم، ويستمر إتساع الفجوة بين الآباء والأبناء لنصل إلى السؤال الذي يقول، ما هو الحق الذي تعتقد أنك محروم منه، لا لشيء إلا لمجرد كونك شابا؟ فيجيب 46 بأنه الحق في المزيد من الخصوصية ويعتبر محمد أنه مستمتع جدا بحياته لافتا إلى أن المال من أهم الأشياء التي تجعل الإنسان أكثر سعادة، ويؤكد أنه من خلال المال تستطيع توفير كل ما تحتاج إليه، أما عبد القادر زميله الذي أنهى دراسته الجامعية ومازال يبحث عن عمل ولم يجد فرصة فيجيب، تصورت أنني سأعمل فور تخرجي حتى أستطيع أن أعتمد على نفسي وأخفف العبء عن كاهل أسرتي وهو ما لم يحدث لذا فأنا مستمتع حد ما، وكم كنت أتمنى أن أكون مع من اختاروا الإجابة ب - مستمتع جدا - وبين حاجتهم إلى مزيد من المال والتقدير والحرية تتفاوت أراء الشباب فبينما يرى عبد الرزاق أن المال هو الذي يساعد الإنسان على تحقيق كل ما يرغب فيه ويقول لذلك أنا أعتبره في المقدمة ويسبق مسألة الحرية والتقدير، ويختلف أحمد مع ما ورد من زميله لافتا أن التقدير يأتي في المقدمة فهو الذي يجعل الإنسان أكثر سعادة ورضا عن النفس، وفي المرتبة التي تليه تأتي الحرية وأخيرا المال. ويؤكد عدي أن صعوبة إرضاء الأهل تمثل مشكلة حقيقية تؤرق الشباب وذلك مقارنة بصعوبات أخرى مثل التواصل مع الأهل والاستقلال عن وصايتهم. - إلى أي حد الشباب قادرون على البوح لأهلهم بما يؤرقهم؟ ليس إلى حد بعيد تجيب الطالبة رزيقة وتبرر ذلك بقولها أن هناك فجوة كبيرة تفصل بين الآباء والأبناء ناتجة عن تفاوت طرق التفكير مشيرة إلى أن هذه الفجوة تتسبب في إحجام كثير من الشباب والشابات عن البوح بكل ما يشغلهم لأهلهم تجنبا للمشاكل التي يمكن أن تترتب على اختلاف وجهات النظر. لدى هشام ما يدفعه إلى اختيار شقيقه ليكون الأقرب إليه ويقول شقيقي هو الأقرب إلي إذ أني أجد سهولة في التواصل معه مقارنة بالأهل، بينما تقف مجموعة من العوامل وراء تفضيل هشام تقديم الشقيق قبل الصديق وحتى الوالدين، وهنا يضيف أن شقيقي هو الأقرب إلي لأنه القادر على فهمي ولا أجد عائقا يحول بيني وبينه لذا أعتبره الأكثر قربا مني في جميع الأحوال، في حين يجد زميله وليد في الدراسة أن الصديق هو الأقرب. وبدورها لا تجد زميلتهم وسيلة غرابة في أن يكون الصديق أو الصديقة أقرب من الوالدين وكذلك تتفق معها زميلتها كريمة، إذ أنها لا تجد قيود في مناقشة أية مشكلة أو البوح بما يدور في داخلها لصديقاتها. وتقول، الصديق يتعرض للمواقف نفسها ويتعايش معها بالأسلوب نفسه بخلاف الأهل الذين دربوا على التفكير بأسلوب مغاير ويعايشون تجارب مغايرة، ولكن من المهم في الأحوال كلها أن يجد الإنسان الشخص الأهل للثقة ليبوح بأسراره. وتقول لبنى، إن الأهل يتوقعون من الأبناء أن يفعلوا الأشياء على طريقتهم، وقد يأخذ الأمر طابعا أكثر تعقيدا عندما يتحول هذا التوقع إلى لون من ألوان الإجبار، ذلك أن هناك من الأهل من يجبرون أبنائهم على خيارات معينة تمس حياتهم ومستقبلهم متجاهلين رغبات وميول الأبناء. هذا الرأي يتفق معه حسين قائلا نعم هناك مشاكل يواجهها الأبناء مع الأهل، حينما يتوقعون من الأبناء أن يفعلوا الأشياء على طريقتهم، وعندما يتعاملون مع أخطائهم بحساسية شديدة وكأنها نهاية العالم وفي كلتا الحالتين لا يفوتهم التباهي بما لديهم من خبرة-هل يعيش الأهل حالة من التناقض تحول دون فهمهم للمشاكل؟ - للأسف تبدو أن الإجابة نعم، إذ ينتقد عبد المالك الكبار لكونهم يطالبون بمزيد من الثقة في النفوس، لكنهم في الوقت ذاته يضيف لا يكفون عن التقليل من شأن قدراتنا وإمكانياتنا، في حين يتدخل زميله سيف الدين ويضيف وجها آخر للتناقض قائلا يطالب الأهل أبنائهم بأن يصبحوا أفضل منهم ولكنهم في الوقت نفسه يتوقعون من الأبناء أن يكونوا نسخة منهم، الأمر الذي يوقع الإبن في حيره إذ كيف يمكنه أن يصبح أفضل من أبيه بينما هو في الواقع نسخة منه. وعلى الرغم من أن الشباب لم يختبروا بالكاد سوى بدايات الدخول في معترك الحياة، إلا أن لديهم تصورا للقضايا التي يعانونها وهنا يشير الطالب بشير أيضا، إلى أن العثور على فرصة العمل المناسبة يمثل التحدي الأكبر الذي يواجه جيل الشباب في حياتهم ويقول إنه في مواجهة هذا التحدي يتعين على الكثير من الشباب أن يجتهدوا، بحيث لا يقتصر هدفهم على مجرد النجاح إنما يتجاوزه إلى التميز حتى تكتمل الصورة ربما يكون من الضروري التعرف إلى أراء بعض من الأولياء، وهنا بدوره يعكس عابد مدير ثانوية تجربته كأب لثلاثة أطفال ويقول أتعامل معهم كأصدقاء في المرتبة الأولى وهي الطريقة التي أعتبرها ناجحة 70 كما أنني أفضل مبدأ التوجيه والحوار قبل النصيحة. وبالعودة إلى نتائج الاستبيان الذي أجرته »صوت الأحرار« يعلق الأخصائي النفساني عبد القادر بن عيشوية، على ما جاء في السؤال الأول« إلى أي حد أنت مستمتع بحياتك؟«، حيث أجاب 60 من الشباب بأنهم مستمتعون إلى حد ما، واضعا تلك النسبة بأنها نتيجة غير مريحة، ويقول إن الأصل هو أن تكون الأغلبية العظمى من الشباب في هذه المرحلة العمرية مستمتعة بالحياة وتعرف إلى أين هي متجهة وكيف تستمتع بها. وأن يختار 45 من الشباب عنصر المال باعتباره أكثر الأسباب التي تشعرهم بالسعادة أمر يعتبره الأخصائي النفساني عبد القادر مشكلة حيث يقول هذا وهم كبير غرسته البيئة التي يعيشها هذا الجيل، ساعد عليها الدور الذي تقوم به وسائل الإعلام وكذلك الأسرة التي اهتمت بالرفاهية المادية على حساب الأبعاد الأخرى، كالبعد الروحي والتربوي والإنساني في العلاقة بين الآباء والأبناء، يضيف لذلك نجد كثير من الشباب يلهثون وراء المتعة والحصول على الماديات والترف ويبعد عن المعاني الروحية ما يجعلهم يظنون أن السعادة في المال. أما المسألة الأخرى فهي التقدير والذي جاء في المرتبة الثانية فهي تعكس الرغبة لدى هذه الشريحة في الحصول على التقدير وأظن أنها نسبة منطقية حيث أن هناك ممارسات سيئة في كثير من الأسر ضد الأبناء، فالابن يتلقى كما هائلا من عدم التقدير من الأبوين وتشير بعض الدراسات إلى أن الطفل منذ أن يولد ومن الثامنة عشر من عمره يسمع من والديه كلمة »لا« وعبارة »لا تفعل« أكثر من 148 ألف مرة? -إلى أي حد أنت على رؤية مستقبلك بوضوح؟ 63 من العينة التي شملها الإستبيان اختاروا الإجابة التي تقول أنا أعرف هدفي على وجه التقريب، ويعلق عبد القادر الأخصائي النفساني على هذه النتيجة قائلا أظن أن إجابات الشباب في هذا السؤال غير دقيقة وأعتقد أن 9,99 من شباب اليوم لا يعرفون هدفهم ومستقبلهم أيضا. وفي تعليقه على اختيار 68 من أفراد العينة الإجابة بأنهم يجدون صعوبة في إرضاء الأهل، يشير محدثنا عبد القادر إلى أنه من خلال فحص الواقع الأسري. ويتقدم على الأشقاء 75 من الشباب الذين شاركوا في الاستبيان أكدوا هذه الحقيقة، في حين يصف عبد القادر هذه النتيجة بأنها تمثل خطورة كبيرة والسبب فيها أن الآباء لا يمارسون دورهم كمربين، وإنما كأناس مسيطرين، أو كأناس مهملين، فالأبوان يقفان بين الإفراط والتفريط، فلا يجد الأبناء حاجتهم النفسية والمعنوية والتربوية عند أي منهما - إلى ذلك كشف الإستبيان أن 65 من الشباب ذكروا أن أكثر ما يزعجهم في الكبار هو أنهم يتوقعون منك أن تفعل الأشياء على طريقتهم وهنا يعلق محدثنا الأخصائي النفساني السيد عبد القادر على ذلك بالقول''من الحب ما قتل''فنظرا لحب الكثير من الآباء أبنائهم فيظن الواحد منهم أن ما هو عليه كأب هو الصواب المحض، وينسون أن العصر قد تغير واهتمامات الشباب قد تغيرت وردا على سؤال يتناول الأمور التي يصعب على الشباب فهمها، أجاب 58 من العينة المستهدفة قائلين، ''إن الكبار يطالبوننا دائما بالتطوير ويعيبون علينا التأثر بالاتجاهات الحديثة'' يقول الأخصائي النفساني السيد عبد القادر، إن هذا يعود إلى عدم إفهام الآباء الأبناء الفرق بين الأصالة والمعاصرة والحداثة وعدم التفريط في القيم والثوابت، وأيضا نقص المعارف عند الآباء وربما حتى في المدارس أيضا وفي حين أوضح الإستبيان أن 46 من الشباب يعتقدون أنهم يحتاجون إلى مزيد من الخصوصية. ويفسر عبد القادر بن عيشوية الأخصائي النفساني هذه النتيجة بقوله، إن هذا يكشف عن التدخل الشديد من قبل الآباء تجاه أبنائهم وكأنهم عبيد في أيديهم ولا شك في أن الشباب عندما يصبح في سن المراهقة فهو بحاجة إلى المزيد من الخصوصية وهو الأمر الذي ربما يغيب عن أذهان الكثير من الأولياء. ويفسر أيضا ما جاء في السؤال القائل »بصفتك شابا فهل يهمك أن تكون متميزا ؟أم ناجحا ؟أم مقبولا من الآخرين؟، حيث اكتفى 55 بالنجاح في حين اختار 35 التميز ويقول هذه النتيجة منطقية مع ضرورة الأخذ في الاعتبار تباين مفهوم النجاح لدى الناس ولكن هناك أمرا إيجابيا يتمثل رغبة 35 في أن يكونوا متميزين وهو ذو مدلول إيجابي يثلج الصدر، حيث أن طبيعة التميز أن يكون للقلة وليس للكثرة وهم قلة نادرة عادة في كثير من المجتمعات لا تجد منهم إلا 1 % على أفضل تقدير.