حذّر خبراء القانون الدستوري المشاركين في الملتقى الدولي حول الإصلاحات السياسية الذي اختتم أمس أشغاله من المساس بمقومات وثوابت الأمة على غرار اللغة والدين في التعديل الدستوري الجاري إعداده من قبل لجنة الخبراء التي يرأسها الدكتور عزوز كردون، ومنهم من طالب الحكومة بآلية قانونية لحل النزاعات والانشقاقات داخل الأحزاب باعتبار أن الظاهرة باتت تعاني منها أغلب التشكيلات السياسية في الساحة الوطنية. استعرض أمس الدكتور مسعود شيهوب الرئيس الأسبق للجنة الشؤون الخارجية ونائب رئيس المجلس الشعبي الوطني في مداخلته أمام المشاركين في الملتقى الدولي حول الإصلاحات السياسية إلى قوانين الإصلاح في الجزائر ودورها في تكريس الديمقراطية من خلال مثالي قانوني الانتخابات والأحزاب من حيث مبدأ حرية تأسيس ونشاط الأحزاب السياسية ومبدأ حرية اختيار الشعب لممثليه وحياد الإدارة باعتبارها مبادئ مكرّسة للديمقراطية التعددية. وخاض المحاضر في عرضه بالتفصيل لأهم المواد التي جاء بها المشرّع في مراجعته لقانون الأحزاب والذي اعتمدت وزارة الداخلية بموجبه أحزاب سياسية جديدة في الساحة الوطنية كما قدّم قراءة لقانون الانتخابات بعد مراجعته من قبل الحكومة وإثرائه من قبل نواب العهدة التشريعية المنقضية، مبرزا بالقول إن تعميق المسار الديمقراطي وعقلنته التي تمت في إطار الإصلاحات السياسية المعلن عنها من قبل رئيس الجمهورية شمل مراجعة أهم القوانين المنظمة للنشاط السياسي ليس بهدف التخلي عن ضمانات ممارسة المبادئ الديمقراطية ولكن بهدف تنقيح التجربة السياسية للجزائر وتعميق الممارسة الديمقراطية. وانتقد شيهوب في مداخلته الوضعية الداخلية لبعض الأحزاب السياسية في الجزائر، ولا سيما حزبي جبهة التحرير الوطني، والتجمع الوطني الديمقراطي، موضحا بأنّ النظام السياسي بالجزائر يرتكز على أهم دعائم النظام السياسي الحر، وهي التعددية الحزبية المجسّدة ميدانيا من خلال قانون الأحزاب وقانون الانتخابات، وحرية النشاط السياسي المجسّدة دستوريا في إنشاء الأحزاب وكذا حرية اختيار الشعب لممثله في إطار قوائم تعددية تنافسية للوصول إلى الحكم، إلا أنه لابد على الحكومة أن تصدر قانونا يحمي حقوق الأقليات التي تنشق داخل الأحزاب. وأكد شيهوب أنّ تصنيف النظام السياسي الجزائري يدخل ضمن الأنظمة الحرة والديمقراطية مقارنة مع نظرائه في العالم الثالث، معتبرا أن الإصلاحات السياسية التي أطلقتها الجزائر جنبتها ثورة شعبية كتلك المسماة الربيع العربي الذي شهدته بعض الدول العربية. من جهته حذر الدكتور محمد بوسلطان من اللجوء إلى مراجعة المقومات الداخلية للأمة الجزائرية ممثلة في الدين واللغة والمبادئ العامة للمجتمع والحفاظ على ارث الأجيال السابقة والطابع الجمهوري، باعتبارها مقومات ثابتة لا يمكن أن تكون أبدا محل مراجعة في أي مشروع دستوري تعرفه الجزائر مستقبلا. بينما ألحّ المحلل السياسي الدكتور عمار عباس على ضرورة تحقيق الاستقرار الدستوري، واعتماد دستور ثابت للجزائر، لأن الإكثار من التعديلات الدستوري بحسبه يمسّ باستقرار البلاد ومؤسسات الدولة، مؤكدا بأنّ التعديل الدستوري الذي ستجريه الجزائر قريبا سيكون فرصة لإرساء دستور دائم بعد 50 سنة من استرجاع السيادة الوطنية، داعيا إلى اعتماد نظام شبه رئاسي باعتباره أكثر ملاءمة للمجتمع الجزائري. وبالنسبة للأمين العام لمجلس الشورى المغاربي الدكتور السعيد مقدم فإن دول المغرب العربي هي حاليا بصدد إعادة ترتيب أوراقها السياسية من خلال تبني إصلاحات دستورية وسياسية بهدف تجسيد دولة القانون وإشراك المواطن في عملية تكريس الديمقراطية، وتوقف مطولا عند الاصلاحات التي باشرتها الجزائر منذ 2011 في مجالات الاعلام والانتخابات والأحزاب وإشراك المرأة في الحياة السياسية الى جانب تعديل الدستور الذي تقوم به حاليا لجنة خبراء متخصصة، كما تطرق المتحدث إلى الاصلاحات الدستورية والسياسية التي باشرها المغرب وكذا موريتانيا وتونس وليبيا , مبرزا دور البرلمانات في تشريع القوانين الخاصة من اجل اشعاع وترسيخ الممارسة الديمقراطية وتعزيز دولة القانون، وقال إن التعديل المزمع إدخاله على الدستور الجزائري مستقبلا والذي سيسمح مثلما أوضحه المتحدث للبرلمان بمراجعة عدة قوانين إلى جانب دوره في تكريس الديمقراطية وتنظيم التعددية السياسية ومراقبة عمل وأداء الهيئة التنفيذية. أما الدكتور والبرلماني في كتلة حزب جبهة التحرير الوطني محمدّ الطيبي فقد عبّر عن مخاوفه مما يجري في بعض دول ما يسمّى الربيع العربي، وقال إن اسقاط الاستبداد هو انجاز حضاري يحسب لهذه الشعوب إلا أن الهاجس اليوم هو قوة التدفق البشري إلى الشارع وقال إن كل التخوف أن تتجاوز المطالب المرفوعة من قبل الشارع قدرة هذه الدول على التكفل بها وهو ما يمثل حسبه تهديدا لهذه الدول لأن قوة الشارع في هذه الحالة تتحول إلى قوة هدم وخراب، مشيرا إلى أن هذا التهديد يواجه بشكل أساسي تونس وبنسبة أقل مصر بالنظر للدور الذي تقوم به مؤسسة الجيش في هذه الأخيرة.