التعديلات الدستورية هي الشق القانوني لبناء الصرح المؤسساتي، واستكمال تعميق الممارسة الديمقراطية بمختلف مفاهيمها وصيغها، سارت الجزائر بخطى ثابتة وقوية في هذا الطريق، منذ 1962 تاريخ استعادة السيادة الوطنية. وتستمد مقوماتها من دستور قوي يستند إلى نظام رئاسي يقوم على مبدأ المشاركة الديمقراطية من خلال الانتخابات . وككل دولة ديمقراطية في العالم تخضع قانونها الدستوري على مر الزمن إلى تعديلات سواء بالإضافة أو بالتعديل بغرض ضمان هامش كبير من الحرية والممارسة الديمقراطية بناء والتغيرات السياسية الدولية والإقليمية. التعديلات الحالية لأسمى وثيقة استكمالا لتلك التعديلات التي تمت مباشرتها في 2008، ورغبة منا في تسليط الضوء على ما يمكن أن تأتي به هذه التعديلات الجارية من وجهة نظر قانونية صرفة، كان لنا لقاء مع بوعبد الله، أستاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق جامعة باجي مختار عنابة . @الشعب: الدكتور بوعبد اللّه ماهي أهم النقاط في رأيكم التي سوف يتم تناولها في هذه التعديلات ؟ @@الدكتور بو عبد اللّه: أولا شكرا على هذه الفرصة التي منحتها لنا جريدة «الشعب» العريقة، في الحقيقة التعديل الدستوري في الديمقراطيات الحديثة مطلب لابد منه ، فالممارسة السياسية في القرن الماضي ليست نفسها في هذا القرن، تخضع التعديلات الدستورية إلى جملة من المتغيرات السياسية، والإيديولوجية، والقانونية، لكن يبقى الرابط الوحيد والضامن الأساسي هو احترام مبدأ الديمقراطية والحريات العامة والخاصة، يبقى التعديل هو إيجاد صيغ أكثر مرونة من أجل تكريس مبدأ الديمقراطية وتمثيل المؤسسات والأحزاب والمنظمات . إن أهم مبدأ يجب أن يرسخه دستور الدولة هو استقلالية المؤسسات، لتبقى كل مؤسسة بوظائفها وأدوارها مكملة لباقي المؤسسات في الدولة الواحدة، لكن بمبدأ استقلالي ،لا تتدخل أي مؤسسة في عمل الأخرى مهما كانت الحجج أو الأسباب، الضابط الوحيد الواجب توفره هو الرابط القانوني الذي يكفله الدستور. كذلك هناك مبدأ ثاني ينجر عن مبدأ استقلالية المؤسسات، وهو استقلالية السلطات، فكل سلطة تبقى في إطارها القانوني، من أجل ضمان العمل الشفاف والمستقل لكل سلطة، كذلك هذا يحمي الرأي العام ويحفظ تمثيله. @ كمختص في القانون ماهي التعديلات التي ترون أنها معنية في المراجعة الدستورية الراهنة؟ @@ اللجنة المشرفة على هذه التعديلات تتكون من خبراء لهم دراية في هذه العملية لكن الظرف نوعا ما حساس. ننتظر من هذه اللجنة أن تكون على قدر المسؤولية الموكلة إليها وأن تعالج النقائص بصفة تخدم المسار الديمقراطي ، هذا المسار التعددي الذي دفعت الجزائر من أجله الكثير ، والدستور الجزائري يعتبر من أقوى الدساتير في العالم ، ماعدا بعض النقاط التي من الواجب أن يسلط عليها الضوء خاصة في الوقت الحالي، من أهمها مدة العهدات الرئاسية ففرنسا مثلا في عهد الرئيس ميتران كانت العهدة الرئاسية بسبع سنوات، وعهدتين بأربعة عشر سنة، في الحقيقة هي مدة طويلة جدا، غالبا ما تكون هناك صعوبة في استكمالها، الأمر الذي أخذه جاك شيراك لما تسلم مقاليد الدولة الفرنسية، أين قلص مدة العهدة الواحدة من سبعة سنوات إلى خمسة سنوات، مراعاة للجانب الوظيفي والأداء السليم والأدوار للرئيس. كذلك بالنسبة التشريعات عن طريق الأوامر، الحقيقة هذه المواقف الإرتجالية في إطلاق القوانين يجب أن تأخذها هذه التعديلات بعين الاعتبار، وأعيد وأكرر يجب تكريس مبدأ استقلالية المؤسسات والسلطات في الدستور المعدل الذي يأتي في ظرف مميز من مسار الإصلاحات . @ هل ستكون التعديلات عميقة وجذرية بحكم الظرف والتحول؟ @@الدستور هو القانون الأول للبلاد والعباد ، والتعديلات الدستورية أو وضع مواد جديدة أو طرح مواد موجودة هي مسؤولية كبيرة جدا، نتمنى أن تكون هذه اللجنة في مستوى هذا الحدث، ونتمنى كذلك أن تصل الجزائر في يوم ما إلى صياغة دستور كامل يحفظ أهم مكسب دفعت من أجله الكثير وهو مبدأ التعددية والديمقراطية.