التدخل الفرنسي في شمال مالي لم يحد من الانفلات الأمني بالمنطقة يرى زعيم أعيان قبائل التوارق والنائب عن حزب جبهة التحرير الوطني بولاية تمنراست محمود قمامة أن التدخل الفرنسي في شمال المالي لم يتمكن من تحقيق النجاح المنتظر باعتبار أن الوضع الأمني في المنطقة لا يزال غير مستقر، مؤكدا أن المصلحة هي عنوان كل التدخلات العسكرية الغربية في الدول الضعيفة، كما تطرق في حديث خص به »صوت الأحرار« إلى دور الجيش الوطني الشعبي في محاربة فلول القاعدة بالساحل وحماية الحدود الجنوبية الذي ساهم تأمين الجزائر من تداعيات ما يسمى ب» الربيع العربي«. هل لكم أن تحدثونا عن تبعات الحرب في شمال مالي على الوضع الأمني في أقصى الجنوب الجزائري؟ لا نستطيع نكران ما يجري على حدودنا الجنوبية وهو نفس الوضع الذي تعيشه الآن سوريا وغيرها من الدول التي تعاني من ويلات الفتنة الداخلية، علما بأننا أكثر الناس تفهما وإدراكا لما تعانيه هذه الشعوب، نظرا لما عايشناه في ثورتنا المجيدة وأيضا ما عانينا منه خلال سنوات الأزمة الأمنية، ودليل ذلك أننا لا نزال إلى غاية اليوم نكتشف مقابر جماعية لأشخاص مجهولي الهوية وذلك نتيجة لما ارتكبته فرنسا الاستعمارية من جرائم في حق الشعب الجزائري، وبالتالي فإن مخلفات الحرب معروفة وحتما فإن تداعياتها تستمر وقد تمتد إلى سنوات طويلة. إلا أن ما يربطنا أكثر بالوضع الأمني، بالإضافة إلى مشكلة الحدود هو الجالية الجزائرية الموجودة بالأخص في مالي، والذين يعيشون على أمل تحقيق أمنهم بوساطة جزائرية باعتبار أن استقرار مالي هو استقرار الجنوب الجزائري، وبالمناسبة نحن نحيي الجيش الوطني الشعبي على ما يضطلع به من دور حيوي في تأمين الحدود الجزائرية المعروفة بشساعتها، وهنا أؤكد بأنه لولا غلق الحدود وحمايتها من طرف قوات الجيش لما سلمت الجزائر من عديد الأخطار ومن ما يسمى الربيع العربي الذي ضرب تقريبا جميع الدول المجاورة لنا. تتحدث بعض التقارير عن تراجع في النشاط الإرهابي وتحسن في الوضع الأمني خاصة في المنطقة، ما رأيكم؟ أستطيع القول أن هناك تراجعا لعصابات تجارة المخدرات، لأن الحدود أصبحت مؤمنة بشكل كبير، أما بالنسبة لتراجع النشاط الإرهابي فلا يسعني الحديث إلاّ عن محاربته داخل حدودنا. وأجزم بأن الجزائر قد أعطت درسا لهؤلاء الإرهابيين من خلال قضائها على الإرهاب في ساعات محدودة، وهذا ما تجسد خلال اعتداء تيقنتورين، حيث استطاعت القوات الخاصة من خلال تدخلها السريع والحاسم من القيام بعملية ناجحة، أفضت إلى القضاء على المجموعة الارهابية، وقد لقي هذا التدخل دعما كبيرا من الجزائريين وتفهما ملحوظا من المجموعة الدولية. في تصريحاتكم السابقة عارضتم التدخل الفرنسي في شمال مالي، هل ما تزالون على نفس الموقف؟ بالنسبة لي كجندي في جيش التحرير الوطني فأنا دائما أستدل بكلمة المرحوم محمد شريف مساعدية حين قال »يوم تلقون فرنسا راضية عنا أعرفوا حينها بأن الجزائر ليست بخير«، ذلك موقف مبدئي، ينطلق من قناعات مسنودة بوقائع التاريخ، ولكن في نفس الوقت لا ينبغي تجاهل إكراهات الواقع وما قد يفرضه من مواقف مرتبطة بالظرف الدولي. لقد سبق وأن دعمت موقف الجزائر بشكل رسمي ووجهت نداء لكل زعماء القبائل بأسمائهم منهم »اياد آغ غالي« ولرؤساء قبائل آخرين من أجل تفويت الفرصة على أعداء شعب مالي وأعداء الجزائر، وحسب معلوماتي فإن كل الحركات اقتنعت أن الحوار هو الحل، واليوم أغلبية سكان شمال مالي موجودين في تمنراست، أدرار، عين قزام و تينزواتين ، فالجزائر اليوم مستهدفة عبر كثير من الجهات، والغبار المتصاعد اليوم ليس من أجل شعب مالي بل من اجل إيجاد منفذ للجزائر، نحن ضد الإرهاب ولا زلنا ضد التدخل الأجنبي، ولن نقبل إطلاقا أن تكون عساكر أي دولة أجنية على حدودنا. هل تعتقدون أن التدخل الفرنسي حقق نجاحا أم أنه خلق بؤر توتر في المنطقة ، خصوصا بعد ما حدث في » تقنتورين« والتفجيرين الأخيرين »بآزليت« شمال النيجر؟ لا أعتقد أن التدخل الفرنسي في شمال المالي قد حقق مكاسب، لأن الوضع الأمني في المنطقة لا يزال غير مستقر، ذلك أنه لا يزال هناك رهائن فرنسيين وكذا جزائريون، كما لا ننسى أن القاعدة الموجودة في شمال المالي تحولت الى ليبيا، فضلا عن أن هناك عملية بأقديس بالنيجر، إذن هذه الدول المجاورة يعود تموينها الى الجزائر، وبالتالي نحن بصدد الحديث عن سكان هذه المنطقة التي يعتبر أغلب سكانها من جاليتنا عبر التبادل التجاري بين هذه الدول خاصة النيجر، وذلك في إطار ما يسمى بالمقايضة، مما يجعلهم هم الآخرين متضررين من هذه الإحداث. يعرف عنكم موقفكم القائم على فكرة أن كل ما يجري في شمال مالي ومنطقة الساحل إنما يستهدف الجزائر، هل من توضيح ؟ نعم قلت ذلك مرارا وهذا ما أؤمن به، ذلك أن المصلحة هي عنوان كل التدخلات العسكرية الغربية على الدول الضعيفة، والتدخل في مالي لن يكون استثناء، خاصة إن كانت جارتها دولة كالجزائر، إلا أنني رأيت من جهة أخرى أن هناك ضغوطات دولية على الجزائر لرفض قرار الأممالمتحدة كي تصبح الجزائر كأنها طرف وحيد يرفض هذا التدخل، في حين أن الرئيس المالي هو من استنجد بالتدخل الأجنبي وعليه فالقرار مالي وليس لنا إلا تأييد الشرعية. ثمّ إن قبائل التوارق في شمال مالي لها امتداد في الجزائر، على غرار توارق تينزاواتين وعين صالح وأدرار وتمنراست، وحتما فإن أي عمل عسكري ضدهم سيسفر عنه بالضرورة فرار عناصر منهم إلى الجزائر ولن تتوانى القوات الأجنبية عن المطالبة بملاحقتهم داخل التراب الجزائري. وهنا أجدّد القول إن المستهدف هو الجزائر وليس شمال مالي، كما أن رؤساء قبائل الأهقار وأعيانها مستعدون لدعم جهود السلطات العمومية من أجل صد المخاطر المحدقة بالبلاد، بيعا... للوضع المتردي في الجنوب بسبب ما حدث ويحدث بمالي، عقب التدخل الفرنسي. الاتفاق الذي توصل إليه كل من باماكو والتوارق رحبت به الجزائر، هل يشكل في اعتقادكم نهاية للمشاكل في شمال المالي وللحركات الانفصالية بالمنطقة؟ أنا لا أقول أن هذا الاتفاق قد وضع نقطة النهاية، بل أعتبره بوابة لحل المشاكل القائمة، ومعلوم أن الجزائر تدخلت منذ سنوات السبعينيات للمساهمة في إيجاد الحلول لمشاكل المالي ، إلا أن المشكل الذي يظل مطروحا ذو صلة بالوضع الذي تعيشه ليبيا، حيث يسهم في تغذية هذه الحركات الانفصالية، ونحن نأمل في الوقت الحاضر أن تنتهي هذه المشاكل، علما بأنه بعد كل الذي حدث في ليبيا هرب الشباب الذي كان مجندا هناك، أي الشباب المالي، وأعلنوا عن طموحهم إقامة دولة شمال مالي، لكن ما أريد التأكيد عليه هنا هو أن الجزائر تقوم بواجبها اتجاه هذه القضية وحتى مالي تدرك جيدا أنها لن تستطيع حل هذا المشكل دون الجزائر. ونحن متأكدون أن السلطات في مالي تؤمن بالطرح الجزائري، وعليه فالجزائر هي الدولة الوحيدة التي تقرب وجهات النظر بين مختلف التنظيمات، باعتبارها البوابة الأساسية التي تسعى لحل سلمين لا علاقة له بأي مصلحة سوى التوصل الى موقف يرضي جميع الأطراف. هل لكم أن تعطونا صورة عن الوضع الإنساني في مخيمات اللاجئين الماليين؟ الحديث عن اللاجئين يعني الحديث عن الماليين الفارين من الحرب، وهو الوضع الذي زاد في تدهور الوضع المعيشي لغالبية المواطنين هناك والذين فقدوا مساكنهم ومناصب شغلهم إذ أتت أعداد هائلة من اللاجئين الماليين ولا تزال تتدفق على الحدود الجزائرية، خاصة بكل من منطقة »تيمياوين« و»تينزاواتين« القريبتين من الأراضي المالية، كما أن المخيمات التي تستوعب أعدادا هائلة فرت من حالة الفوضى التي تتواجد عليها المنطقة والتي أضحت على مرمى التنظيمات المسلحة المختلفة التي لطالما تصارعت لإثبات وجودها، بدون أن ننسى بأن أحد أهم أسباب هذه الحركات المتمردة والحرب بصفة عامة يعود إلى الظلم والعنصرية بشكل أساسي، والأكيد أن الجزائر قائمة بدورها، وذلك منذ 1964 تجاه الجالية المالية والنيجرية وبكل البلديات في كل من تمنراست وأدرار، إذن فهذه ليست المرة الأولى التي تتعامل فيها الجزائر مع هؤلاء اللاجئين فهي معروفة بمواقفها الإنسانية، ناهيك أن العديد من هذه العائلات زحف ودخل الى بيوت العائلات الجزائرية وهو ما يستحق لفتة خاصة. عاشت ولايات الجنوب حركات احتجاجية على مر الأشهر الماضية، وقد قوبلت قوبلت بعروض مغرية من قبل السلطات العمومية (التشغيل، السكن)، هل تعتقدون أن ما يجري في المنطقة أمر عادي، علما أن ما تعيشه ولايات الجنوب هو نفسه الذي يعيشه الجزائريون في مختلف الجهات؟ إن مطالب الشباب مشروعة، لكن بالتأكيد هناك استغلال سياسي لهذه المطالب من طرف جهات أفلست سياستها في الشمال وحاولت تعويض خسارتها في الجنوب، ولذا يجب تفويت الفرصة على من يحاولون زعزعة استقرار البلاد وذلك لن يتأتى إلا بالوحدة والاتحاد ونبذ الضغينة والحقد والتسامح، حتى نفوت الفرصة على من خرجوا عن ملّة ديننا وانتماء وطننا ممن يتكالبون علينا بتنفيذ مخططاتهم الرامية إلى إدخال الشك وزرع الفتنة في قلوب المواطنين، من خلال التحرك في كل الاتجاهات لتنفيذ مؤامرة تحاك ضد الجزائر التي صمدت أمام موجة الاحتجاجات المختلفة. باعتباركم واحدا من كبار أعيان المنطقة ونائبا عن ولاية تمنراست، ما هي المنجزات التي لم تحققها الولاية وسترافعون من أجلها في المجلس الشعبي الوطني؟ لا شك أن تمنراست كغيرها من الولايات التي تحتاج الى مشاريع تنموية عديدة تعمل المصالح المعنية على تجسيدها في أرض الواقع، ونحن دائما نعمل على إيصال انشغالات المواطنين من خلال طرحها في جلسات المجلس الشعبي الوطني المستمرة، وبفضل معرفة الرئيس بوتفليقة للمنطقة، حيث كنت معه في جبهة المالي خلال الثورة رفقة المرحوم أحمد دراية ومحمد الشريف مساعدية، وقد ساعدتنا درايته بها في تنمية وإنجاز الكثير من المشاريع وإزالة كثير من المعضلات، كأزمة كالماء، الجامعة والطرق، فالجميع يعرف متاعب الصحراء دون ماء وكذلك الدراسة بسبب البعد والتنقل بسبب انعدام الطرق، وهذا لا يمنع من التذكير بأهم المنجزات المحققة ميدانيا في الولاية يبقى مشروع القرن وهو جلب المياه من عين صالح إلى تمنراست، هناك مشروع آخر كبير وطموح هو الطريق الصحراوي، لأنه لا تنمية بدون طريق، وأتذكر جيدا انه بعد الاستقلال كانت نهاية الطريق تنتهي في المنيعة ونفس الشيء بالنسبة للمطار، أما اليوم فإن الطريق يمتد من عين قزام نحو النيجر، ومن »سيلت« نحو »تيمياوين« و»تين زواتين« ومنها إلى مالي، واليوم لا توجد قرية في تمنراست لا توجد بها مدارس، ولا توجد بلدية لا توجد بها متوسطة، فضلا عن أن مقر الولاية يضم مركزا جامعيا و معهدا متخصصا في التكوين المهني. نفس الشيئ بالنسبة للكهرباء وكذلك الطاقة الشمسية للمناطق التي تعتمد عليها كمصدر وهو الحال في »أمقيد« و»تين طرابين« ببلدية »تاظروك«، نفس الشيء بتاوندارت بتين زواتين مع الحدود المالية، أما بالنسبة لباقي القطاعات كالسكن وخاصة الريفي فقد استفادت منه الولاية بشكل كبير، حيث لا توجد عشر خيم بدون سكنات ريفية ومضخة للمياه، وبالنسبة للجانب الصحي حيث لا توجد قرية بدون مركز علاج ولا بلدية بدون مستوصف، لكن فعلا هناك نقص في الأطباء الأخصائيين.