الأستاذ الأديب والباحث محمد حسين طلبي واحد من المثقفين والإعلاميين الجزائريين الذين قدموا خدمات جليلة للثقافة الجزائرية في منطقة الخليج العربي، إنه واحد من ألمع الشخصيات الأدبية والثقافية الجزائرية في دولة الإمارات العربية المتحدة. وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن الأستاذ محمد حسين طلبي هو الابن البكر للمجاهد الفذ والمربي المعروف محمد العربي طلبي ، وهو يعتبر من أقطاب جمعية العلماء المسلمين الجزائريين«ولد بتاملوكة قالمة تعلم في زاوية والده زاوية ابن الهواري وحفظ القرآن الكريم على مشائخها.انتقل إلى تبسة سنة:1945م الحركة العلمية الأخضرية ،وانضم إلى مدرسة التهذيب للبنين والبنات.انتقل إلى تونس سنة:1947م، وتابع دراسته في فروع جامعة الزيتونة ثم رجع إليها ثانية سنة:1951م ونال شهادة التحصيل سنة:1954م.وضع نفسه عند عودته إلى الجزائر تحت تصرف جمعية العلماء في مدرسة التربية والتعليم في عنابة،شارك في الثورة بجمع الأموال والأسلحة فانكشف أمره،وسُجن واعتُقل في معتقلات مختلفة بعنابة ووهران والمسيلة. عُيِّن بعد الاستقلال مديراً بمدرسة ابتدائية في عنابة ثم مستشاراً تربوياً ومديراً جهوياً بمركز محو الأمية بالشرق الجزائري 1975-2891م ثم عين نائباً لمدير التربية للنشاطات الثقافية والرياضية والمدرسية بعنابة إلى أن أحيل على التقاعد، من آثاره:المكتبة العالمية مسرحية ألفها أثناء تواجده في المعتقل عن حياة الإمام ابن باديس)،دراسة حول المسرح تاريخ المسرح العربي بصفة عامة» ينظر: موسوعة العلماء والأدباء الجزائريين، إعداد: رابح خدوسي ،منشورات دار الحضارة، الجزائر ،2002م، ص:211. ولد الأستاذ محمد حسين طلبي بقرية عين ملوك التابعة لولاية قالمة،تتلمذ في مدارس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في مدينة عنابة إلى غاية إغلاقها سنة:1956م من قبل سلطات الاستدمار الفرنسي،تتلمذ بعدها في مدرسة«المروانية» وثانوية القديس أوغستين ومبارك الميلي بمدينة عنابة بعد الاستقلال، تخرج مهندساً في الميكانيك سنة:1976م من جامعة حلب في سوريا، عمل بعدها بمصنع الحجار بمدينة عنابة إلى غاية سنة:1980م ثم سافر إلى الكويت إلى غاية سنة:1990م ،عمل بعد عودته إلى الوطن بوزارة التكوين المهني بالعاصمة حتى سنة:1993م،حيث غادر للعمل في دبيبالإمارات العربية المتحدة مديراً للخدمات الميكانيكية في إحدى شركات الأعمال الإنشائية المتميزة،وما يزال مقيماً بدولة الإمارات العربية المتحدة. كما أن الأستاذ محمد حسين طلبي عضو فاعل ومؤسس لعدد من الأندية الثقافية والهيئات العلمية،فهو واحد من الكتّاب المؤسسين لمجلة«دبي الثقافية»،وعضو مؤسس لجمعية الجزائريين في الإمارات العربية المتحدة سنة:1994م،وعضو جمعية الجزائريين في الكويت،وعضو الكشافة الجزائرية في الفترة ما بين 1963 -1996 وعضو الاتحاد الوطني للشبيبة الجزائرية في سوريا1974-1976م،و عضو اتحاد الطلبة الجزائريين بسوريا 1968-1976. من أهم مؤلفاته: «يسألني بوعلام عن حال البلد»،«هذيان الأحاجي في تخاريف الدراجي» ،«عزف على نزف»،«شجن وتواصل»،«بنات فاطمة»،«غربة الكلام»،«يدور حول نفسه»، «قريباً من طقوسهم»،«غنيمة الحرب غنيمة الحب»،«خواطر حول الثقافة العلمية ،الجاحظية بيتنا-الطاهر وطار نضال في كل الاتجاهات-»،«لاعبون بالريح»،«هبوب ثقافي ولكن»، «بلون الأوراس-محطات ثقافية من الجزائر»،«دنيا بنت عرب»،وغيرها. وإلى جانب هذه المؤلفات الفكرية والأدبية ،فقد ألف الأستاذ محمد حسين طلبي عدداً غير قليل من الكتب العلمية التي تندرج في إطار اختصاصه العلمي،ومن هذه الكتب نذكر«معجم مصطلحات التكوين المهني بالعربية والانجليزية والفرنسية» ،«كتاب التصنيع الميكانيكي(الحرفي)»، «كتاب الرسم الهندسي(الحرفي)». في مقدمة كتاب«هذيان الأحاجي في تخاريف الدراجي»للأستاذ محمد حسين طلبي،يُسجل الكاتب والمؤرخ محمد عباس جملة من الملاحظات المهمة التي تتصل بشخصية الأديب والباحث محمد حسين طلبي،فهو أحد رفاقه منذ طفولته،حيث يقول:«عندما طلب مني الصديق محمد حسين طلبي تقديم كتابه(هذيان الأحاجي في تخاريف الدراجي)رأيت في ذلك مزيجاً من الوفاء والتقدير،الوفاء لزمالة وصداقة تعود إلى سنة:1957م،عندما جمعت بيننا ظروف الدراسة المضطربة في مدرسة(لا سيتي أوزاس)،وهي فرع من المدرسة المروانية (الحكومية)بعنابة.وقد أتاها الزميل طلبي من مدرسة جمعية العلماء بالمدينة القديمة-المحاذية للمروانية-بعد إغلاقها عقاباً للجمعية التي التحقت-علانية-بجبهة التحرير الوطني في مطلع:1956م.أما أنا فقد أتيتها من مدرسة الشيخ فرحات العابد الذي حاول أن يواصل رسالة جمعية العلماء،بعد أن كان معلماً بمدارسها...وقد سارعت إدارة الاحتلال بإغلاق هذه المدرسة المتواضعة الواقعة بحي(لاكولون)واعتقال الشيخ العابد عقب التحاق مساعده بالثوار...وقد عرفت بعد الاستقلال أن هذا المساعد-الذي كنا نناديه-سيدي الصغير-لم يكن غير نذير طلبي عم صديقنا حسين. وما زلت أذكر زميلي-الذي يصغرني قليلاً-وهو عائد من المدرسة على دراجته الصغيرة إلى مسكنه بحي وادي الذهب(جبانة اليهود)وكنا يومئذ ننظر إليه بإشفاق لأن والده كان سجيناً،رُبما بتهمة التعليم في مدرسة جمعية العلماء،فالوفاء هنا ينسحب أيضاً على تلك المرحلة المشتركة،حيث كان التحصيل باللغة العربية ضرباً من المقاومة النشيطة للاحتلال الفرنسي. التقدير لأنني أكبره قليلاً،وربما كذلك لجهودنا المتواضعة في مضمار المقاومة الثقافية التي نعتبرها امتداداً طبيعياً لثورة نوفمبر 1954م،واستكمالاً لا بد منه لرسالتها التحريرية الشاملة..». وبالنسبة إلى كتاب«هذيان الأحاجي في تخاريف الدراجي» يذكر الأستاذ محمد عباس أن أول ما يشذ انتباه القارئ هو أن الكاتب يعيش واقع بلاده ومحنتها بوجدانه وفكره-إلى حد الانغماس-رغم أنه مهاجر يعيش بجسده بعيداً عنها بآلاف الأميال، خلافاً لأولئك المهاجرين بأرواحهم رغم إقامتهم بيننا،وينبه الأستاذ محمد عباس كذلك إلى أن«حالة الكاتب هذه تنسجم تماماً مع النسبة التي اختارها لبطله أي الدراجي )بمعناها الحقيقي والمجازي،فهي تعني الانتساب إلى أولاد دراج من الأعراش الكبيرة بناحية المسيلة والحضنة،كما تعني الجزائري الطيب الأصيل الذي يجمع بين الحكمة والسذاجة إن لم نقل الدروشة.وتلكم هي حال الدراجي الذي يحاول أن يفهم-كما يصفه المؤلف في كتابه-بالهذيان تارة وبالتخريف تارة أخرى،فالدراجي مهووس بكل ما يجري في وطنه الجزائر رغم إقامته بعيداً عنه على مقربة من شواطئ دبي الخليجية الزاهية اللاهية،فهو من مرصده هناك متحفز باستمرار لالتقاط كل ما يمس الوطن من قريب أو بعيد،سواء صدر عن(الحركة الجدد)كما يسميهم،أو عن زعماء كبار مثل:أحمد بن بلة وحسين آيت أحمد ...» )2(. عن رحلته مع الكتابة يقول الأستاذ محمد حسين طلبي في حوار أجرته معه الشاعرة الجزائرية منيرة سعدة خلخال:« أنا من جيل اقترب من اللغة والثقافة منذ السنوات الأولى للاستقلال، وكان لدي مثل غيري تعلق كبير بكل جديد في الوطن بعد مرحلة الاستعمار ومن بين هذا الجديد هو انفتاح الوطن على الأمة العربية من خلال التواصل الثقافي عبر الكتب والمجلات الواردة إلينا من المشرق وعبر الكتب الدراسية التي كانت بدورها رافدا مهما للمدرسة الجزائرية آنذاك، ومن خلال الأدباء والفنانين الذين زاروا بلادنا وقد كنا نسمع عنهم فقط من قبل، وهكذا تأسس لدينا هذا الحس الثقافي السامي الذي دفعنا إلى محاولة الكتابة والتعبير عن الذات وعن أفراح الوطن في تلك المرحلة، ومن هنا كانت أولى الخطوات التي انطلقت بها زبكل تواضعس في عالم الكتابة . بدأت نشر مقالاتي عن مختلف القضايا المتعلقة بالوطن في فترة ما بعد الاستقلال بجريدتي زالشعبس وسالمجاهدس، بعدها سافرت في 1968 لدراسة الهندسة الميكانيكية بسوريا، عدت إلى الجزائر في حوالي سنة 1980 حيث اشتغلت في الشركة الوطنية للحديد والصلب بمركب الحجار بعنابة، ثم غادرت ثانية إلى دولة الكويت عام 1981». وبالنسبة إلى تجربته بدولة الكويت يشير الأستاذ محمد حسين طلبي رداً على سؤال للشاعرة منيرة سعدة خلخال إلى أن تجربة الكويت كانت ثرية جدا من حيث إن هذا الوطن كان يحمل الهمّ الثقافي العربي بشكل كبير من خلال المنشورات،و المجلات ومعاهد الأبحاث التعليمية بما يشبه المطبعة الكبيرة، أو دار النشر ولا تزال،ويضيف الأستاذ طلبي: «وإذا كان غيري يعتبر الكويت سوقا كبيرة فأنا أرى أنها مركز لأقطاب الفكر والتاريخ العربي خاصة من خلال تبنيها لنشر الأعمال العربية وتنظيم الجوائز بسخاء من أجل التنمية الثقافية العربية، ولا تزال منارة ثقافية حقيقية أسست وكرست، استمرت وتابعت العمل في هذا المنحى ولا أعتقد أن الأجيال الكويتية الجديدة ستتخلف يوما عن هذا » وفيما يتعلق بتقييمه لصورة الجزائر في أعين الآخرين،يقول الأستاذ طلبي في هذا الصدد:« نظرا للغياب التام لبلادنا في المشرق والخليج وبالأخص في العشرية السوداء، احتدم التساؤل لدى الناس والنخب الثقافية عن هذه الجزائر التي قرأوا عن ثورتها وعن شهامة أبنائها وعن مبدعيها وعلمائها، متسائلين عن ذلك الانجراف الذي كانت تسير فيه، فوجدت نفسي مجندا لتوضيح الصورة واستغلال هذه العلاقات الكثيرة لتوضيح ما كان غامضا مما هو غير معلوم، وكانت الساحة الثقافية أهم الساحات التي من خلالها قمت بهذا الدور مثلا كثيرا ما كنت أدعى إلى المحطات التلفزيونية وأستغل المنابر الثقافية كالنادي الثقافي العربي، اتحاد الكتاب، جمعية الصحفيين، وبيت الشعر بالشارقة أو بالإمارات لأوصل هذه الرسالة وكذلك من خلال الكتابة في مختلف الصحف والمجلات منها: مجلة المنتدى التي توقفت عن الصدور منذ حوالي سبع سنوات، ومجلتي الصدى ودبي الثقافية التي مند تأسيسها قبل أربع سنوات وأنا كاتب رئيس فيها مع مجموعة كبيرة من أشهر الكتاب والأدباء والشعراء العرب كأدونيس، وأحمدعبد المعطي حجازي،و جابر عصفور،و عبد العزيز المقالح وغيرهم ». ¯ يتبع