كان لقاء الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني مع مناضلي الحزب لولايات الغرب ناجحا بكل المقاييس، فهو أولا يؤسس لتقاليد التواصل واللقاءات المباشرة بين القاعدة والقيادة، وهو ثانيا يشكل فرصة سانحة للأمين العام لتبليغ توجيهاته وتأكيد إرادته في تحقيق وحدة الحزب وتعزيز الديمقراطية في صفوفه وممارساته وتكريس ريادة الأفلان في الساحة السياسية. وقد فضل الأمين العام في لقاء وهران أن يرد على أولئك الداعين لإدخال الأفلان إلى المتحف، حيث استند إلى تجارب سياسية معروفة في أعرق الديمقراطيات في العالم، وقال في هذا السياق لقد احتفلت جنوب إفريقيا منذ سنتين بالذكرى المئوية لميلاد حزب المؤتمر الإفريقي، وفي الهند ما يزال حزب المؤتمر، الذي حررها في الحكم. وفي امريكا مر على تأسيس الحزبين الجمهوري والديمقراطي أكثر من قرنين، ومازالا قائمين، وأضاف يقول إن الأفلان هو الوريث الشرعي لجبهة التحرير الوطني ولنداء أول نوفمبر ورسالة الشهداء، بالإضافة إلى أنه حرر البلاد و أرسى التعددية السياسية. ويبدو أن هؤلاء الفاشلين لم يدركوا كل المتغيرات التي تعرفها الساحة السياسية الوطنية، ولذلك فإن دعوتهم الخاصة بما أسموه «استرجاع الأفلان» لا تثير الدهشة، لأسباب تبدو وجيهة، نتوقف عند البعض منها بوضع النقاط على الحروف: أولا: إن الأفلان يتوفر على شرعية شعبية أكدتها كل الاستحقاقات التي عرفتها البلاد منذ إقرار التعددية السياسية إلى اليوم، ولذلك فإن الجهة المخولة بإبقاء هذا الحزب أو إلغائه هو الشعب الجزائري، الذي لم يفوض أحدا بالحديث باسمه أو اتخاذ قرار نيابة عنه في هذا الشأن. ثانيا: إن الأفلان ملك مناضليه الذين لهم وحدهم الحق في تقرير مصير حزبهم، ويبدو أن الذين يطالبون بقتل الأفلان، كان عليهم أن يدركوا أن ظلام الكهف يعمي البصر والبصيرة، لذلك فقد أصحاب تلك الدعوة الخائبة صوابهم فتعاموا عن رؤية الحقائق الصارخة، وهي تقول: إن مناضلي الأفلان يتحدثون باسم حزب شرعي دستوريا وشعبيا، له قوانينه وبرنامجه وشرعيته وقيادته وهويته السياسية، وهو ليس بحاجة إلى أوصياء ولا إلى «فاعلي خير» يتذرعون بالخوف عليه من أجل اغتياله ووضعه في رف من رفوف التاريخ. ثالثا: إن الأفلان اليوم حزب وليس جبهة، وعلى الذين يتحدثون عن «الإرث التاريخي» وعن «ملكية» الشعب، وما إلى ذلك من تعابير خادعة، أن يعلموا أن جبهة التحرير الوطني هي حزب ككل الأحزاب، لا تحظى بامتياز خاص، لا تعيش على مخزونها التاريخي ولا تواجه تحديات المستقبل برمزية شعارها، كما أنها لا تعتمد في نضالها وفي وجودها على الماضي. رابعا: إن السؤال الجدير بالطرح هو: استرجاع الأفلان ممن وإلى أين ولمصلحة من؟.. هنا قد يفيد التذكير- حتى وإن كنا ندرك بأن «أهل الكهف»- الذين نعنيهم لا تنفع فيهم الذكرى - بأن الذين كانت أمنيتهم إيداع الأفلان في المتحف كان المتحف مصيرهم وطواهم النسيان بل إنهم يوجدون اليوم خارج التاريخ، في حين ما يزال حزب جبهة التحرير الوطني باقيا وسيبقى بإرادة الشعب وحده، رغم عشاق القبور والمتاحف المهجورة وكل النكرات التي تبحث عن مجد زائف. إذن، على الذين يبدون كل تلك الحماسة في الادعاء ب «حماية»الأفلان أن يعوا أن الأفلان في إطار التعددية السياسية حزب يمتلك شرعية الصندوق وهو لا اليوم ولا غدا ليس للبيع، لأنه ليس ملكا شاغرا أو تركة قابلة للتوزيع.