الجنود الأمريكيون دخلوا ليبيا واختطفوا أبا أنس الليبي، تصرفوا مثل عصابة تعمل خارج القانون، وهذا دأبهم منذ أن عرفتهم البشرية، غير أنهم لم يكونوا ليفعلوا فعلتهم تلك لو وجدوا دولة ليبية متماسكة وقادرة على حماية حدودها وصون حرمة ترابها. قبل سبعة وعشرين عاما قررت أمريكا أن تهاجم ليبيا، فأرسلت حاملات الطائرات والسفن الحربية إلى سواحل ليبيا وقصفت مواقع حددتها مسبقا، فشلت في اغتيال العقيد الراحل معمر القذافي رغم أنها دمرت بيته بغارات جوية وقتلت ابنته بالتبني، واليوم لم تكلف نفسها عناء إرسال طائرات من دون طيار لقصف المكان الذي كان يتواجد فيه أبو أنس الليبي، فالطريق مفتوح إلى أي مكان في ليبيا، وأمريكا يجب أن تكون وفية لتقاليد الثأر التي طبعت عصابات الكاوبوي منذ نشأة أمريكا، وكان لا بد من تنفيذ هذه العملية الاستعراضية ردا على اغتيال السفير الأمريكي في بنغازي، حتى يعلم الذين يعادون أمريكا أنهم لن يجدوا مكانا آمنا. المقرف في القصة هو هذه البيانات التي تصدر عن حكومة طرابلس والتي تتحدث بكل وقاحة عن سيادة البلاد وعن ضرورة احترام حقوق المتهمين، فإذا كان الناس قد سخروا من القذافي عندما أطلق على ليبيا اسم الجماهيرية العظمى بعد العدوان الأمريكي سنة 1968 وقال إن من يواجه القوى العظمى هو بالضرورة عظيم، فإن حكام طرابلس اليوم أولى بالسخرية لأنهم يضحكون على ذقون الليبيين عندما يحدثونهم عن مطالبة أمريكا بتوضيحات عن هذا الخرق لسيادة البلاد. لعله من المفيد لدعاة الحرية والديمقراطية أن يقارنوا بين ليبيا التي كانت أمريكا تحاربها من الجو، وليبيا التي يختطف مواطنوها من بيوتهم من قبل جنود أمريكيين يقتادونهم إلى خارج الحدود، وإذا كان الحكم الفردي المطلق هو استخفاف بإرادة الشعوب وتجاوز لحقوقها، فإن تحويل الوطن إلى أرض مستباحة هو إهانة لكرامة هذه الشعوب وتجاوز لعزتها.