ما زال رأي أمريكا في الانتخابات الجزائرية مهما. فكلما سنحت فرصة تهاطلت الأسئلة على السفير الأمريكي، أو على أي مسؤول يأتي من هناك لاستيضاح رأي القوة العظمى وموقفها مما يجري في البلاد، وهناك من يريد أن يعرف كيف ترى أمريكا مستقبلنا القريب وما إذا كانت مستعدة للتعامل مع أوضاع تتوقعها. من العبث أن ننتظر إجابة أمريكية واضحة، ثم إن ما جرى في بلدان عربية أخرى يشير بوضوح إلى أن واشنطن تتعامل مع تطورات الأوضاع أولا بأول، وسياستها تبدو شديدة المرونة، والأسوأ من هذا أنها لا تفعل شيئا عندما يطلب منها البعض التدخل لمنع الكارثة. موقف أمريكا من مصر يمثل حالة جديرة بالتأمل، فالآن نحن أمام ثلاثة أطراف مصرية كلها تلتقي في اتهام أمريكا بتهم متناقضة، أولهم الرئيس المخلوع حسني مبارك، فقد اتهم صراحة الولاياتالمتحدة بالتخلي عنه، وبأنها راهنت على الإخوان المسلمين، وأنها تتحمل جزء من المسؤولية فيما آل إليه نظامه. طرف آخر يتهم أمريكا وهم الإخوان الذين يقولون إن أمريكا لم تتدخل لإنقاذ الديمقراطية الوليدة من مخالب العسكر الذي افترسها، وأن الانقلاب الذي نفذه السيسي كان جزء من مؤامرة أمريكية إسرائيلية على مصر التي بدأت تعود إلى حاضنتها العربية الإسلامية بعد سنوات التيه الطويلة التي بدأت بتوقيع اتفاقيات كامب ديفيد مع إسرائيل. أما ثالث المتهمين لأمريكا فهو الفريق عبد الفتاح السيسي، الذي يريد أن يوحي لمحيطه بأنه أقرب إلى عبد الناصر منه إلى واشنطن، وهو الآن يطلق الإشارات في اتجاه موسكو ليوحي بأنه سيعيد عجلة الزمن إلى الوراء ويبني مجددا الحلف بين القاهرةوموسكو رغم أن لا أحد يصدق أن ذلك ممكن. في الجزائر أيضا لا يمكن توقع ما سيكون عليه الموقف الأمريكي، لكن المؤكد أن مصير الجزائر لا يهم إلا أبناءها إلا إذا قرروا هم تسليم مصيرهم وبلدهم للغير.