منذ أن خرج وزير الدفاع المصري عبد الفتّاح السيسي ليعلن في الثالث من جويلية الماضي عن تعطيل الدستور وعزل الرئيس المنتخب محمد مرسي يبرز أحد الأسئلة الكبرى بين المصريين يتعلّق بموقف الولايات المتّحدة ممّا حدث، خصوصا وأنها القوى الأعظم بالعالم، فضلا عن العلاقات الخاصّة التي جمعتها بمصر على مدى العقود الثلاثة لحكم الرئيس المخلوع حسني مبارك. منذ البداية لم تقدم واشنطن موقفا واضحا أو حاسما، وبدا أنها تريد عدم التورط في موقف سريع قبل أن ترى كيف تسير الخارطة الجديدة التي أعلن عنها السيسي، ثم خرجت منها تصريحات متضاربة لكنها تجنبت بشكل رسمي وصف ما حدث بأنه انقلاب، وإن خرج الوصف على لسان جهات ذات شأن شملت نوابا بارزين بالكونغرس مثل جون ماكين. وساعد الموقف الأمريكي المائع أطراف الصراع في مصر على استخدامه كنوع من السبة يصم بها كل طرف خصمه استغلالا لموقف شعبي راسخ يظهر شكوكا في أمريكا وأي جهة تتحالف معها، ولذلك فقد اعتبر أنصار مرسي أن أمريكا رعت الانقلاب أو أيدته على الأقل، ودللوا على ذلك بمواقف عديدة حاسمة كان يمكن أن تتخذها لو كانت معارضة حقا للانقلاب. وفي المقابل، فقد أسهبت وسائل إعلام مؤيدة للانقلاب في الحديث عما اعتبرته تعاونا أو حتى تحالفا بين الولاياتالمتحدة وجماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها الرئيس مرسي، وحاولت هذه الوسائل تصوير السيسي بأنه قائد عسكري يريد أخذ مصر نحو الاستقلال الحقيقي بعيدا عن التبعية للولايات المتحدة. وفي كل الأحوال، ظل الموقف الأمريكي غير الحاسم عاملا مساعدا لهؤلاء وأولئك على اتهام الآخر ب (منقصة) الارتباط بواشنطن حتى جاءت تصريحات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري التي اتهم فيها الإخوان المسلمين بسرقة الثورة المصرية، لتكشف للكثيرين حقيقة الموقف الأمريكي. وجاء الرد حادا من جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة المنبثق عنها، حيث قال أمين عام الجماعة محمود حسين إن تصريح كيري يلوي عنق الحقيقة، قبل أن يتحول لاتهام واشنطن صراحة بأنها (شاركت ودعمت الانقلاب العسكري وما زالت، كما تغافلت عن المذابح والإجراءات التعسفية التي تمارسها الحكومة الانقلابية في مصر). وأضاف حسين أنه كان الأحرى بالإدارة الأمريكية أن (تصحح من أخطاء موقفها وتلتزم بمقتضيات ما تعلنه من دعمها للديمقراطية والحرية، والتي تثبت الأحداث دائما أنها ترعى فقط هذه المبادئ في أمريكا، أما في بلادنا فهي أكبر داعم للديكتاتورية وقمع الحريات). وبدوره، فقد اعتبر الحرية والعدالة، على موقعه الرسمي، أن تصريحات كيري تمثل إقرارا واضحا بدعم واشنطن للانقلاب العسكري الدموي خصوصا وأنه اتهم الإخوان بسرقة الثورة 0رغم أنهم خاضوا جميع الاستحقاقات الانتخابية بنزاهة وشراكة). أما الأحزاب المؤيدة للانقلاب فتجاهل معظمها التعليق على تصريحات كيري، في حين اعتبر حزب النصر الصوفي، في بيان أن تصريحات كيري (شهادة حق) تريد بها واشنطن حفظ ماء وجهها بهدف الحفاظ على العلاقات مع مصر بعد التقارب الذي أبدته الأخيرة مع روسيا مؤخرا. ويعتقد المحلل السياسي قطب العربي، وهو قيادي بالحرية والعدالة، أن تصريح كيري يمثل انحيازا واضحا لأحد طرفي الأزمة المصرية وهو الانقلاب، وموقفا معاديا بشكل سافر لطرف آخر هو الإخوان، وهو موقف نأت واشنطن عنه طويلا. ويتوقع العربي، بعد هذا التصريح من جانب كيري، مزيدا من الانحياز الأمريكي بما يصل في النهاية لاعتراف كامل بالانقلاب ودعمه، لكنه يؤكد أن هذا الموقف سيواجه غضبا شعبيا يتعدى حدود مصر إلى العالمين العربي والإسلامي (وهو ما ينبغي على الإدارة الأمريكية تجنبه). وأضاف العربي أن الإعلام الأمريكي سبق أن طرح بعد أحداث سبتمبر 2001 سؤالا بعنوان (لماذا يكرهوننا؟) وجاءته الإجابة من الشرق بأن هذه الكراهية نتيجة طبيعية للمواقف الأمريكية الداعمة للديكتاتورية والقمع بالمنطقة إضافة إلى دعم إسرائيل على حساب الحق الفلسطيني (وأخشى أن تعود واشنطن لتعميق هذه الكراهية). لكن المحلل السياسي وحيد عبد المجيد قلل -في المقابل- من أهمية تصريحات كيري، وقال إن السياسة الأمريكية لا يحددها أشخاص وإنما مؤسسات متعددة يتقدمها البيت الأبيض ووزارة الخارجية والكونغرس، لكنه أضاف أن كيري مطلع على الوضع في مصر بدقة وأدرك أن جماعة الإخوان المسلمين كانت تسير في طريق مسدود. وبدوره، يؤكد الباحث السياسي أحمد تركي، أن كيري لم يقدم جديدا وأن القراءة الواقعية للموقف الأمريكي تؤكد أنه يميل للانقلاب، وإلا كنا رأينا منه موقفا حاسما تمتلك واشنطن أدواته سواء عن طريق الأممالمتحدة أو عبر الضغط الثنائي أو باستخدام النفوذ لدى قوى إقليمية لها تأثير كبير فيما حدث. لكن تركي يرى، مع ذلك، أن الموقف الأمريكي ما زال قابلا للتغيير، ويفسر ذلك بأن واشنطن تتمنى، وفق رأيه، نجاح الانقلاب، وستعطيه الفرصة لفترة من الوقت، لكنها لن تستطيع أن تصبر عليه إلى ما لا نهاية، خصوصا إذا استمرت المظاهرات الرافضة واستمر معها تدهور الاقتصاد. إحياء لذكرى مجزرتي رابعة والنهضة على خلفية دعوة التحالف الوطني لدعم الشرعية إلى التظاهر أمس في ذكرى مرور مائة يوم على مجزرتي رابعة والنهضة ضد المساندين للشرعية، انتشرت تشكيلات من الجيش وقوات الشرطة المدنية صبيحة أمس، في مناطق عدة بالقاهرة، تحسّباً لوقوع أعمال عنف على خلفية دعوة (التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب) المُناصر للرئيس المعزول محمد مرسي للتظاهر في ذكرى مرور 100 يوم على فض اعتصامين لأنصاره. وكثفت قوات من الجيش ومن قوات الأمن المركزي مدعومة بآليات مدرعة من تواجدها حول جامعة القاهرة وبمحيط ميداني (الدقي) و(نهضة مصر)، وعلى مداخل السفارات السعودية والبريطانية والأمريكية وطريق كورنيش النيل، وحول المدينة الجامعية لطلاب الأزهر ومحيط مسجد (رابعة العدوية) بضاحية مدينة نصر (شمال شرق القاهرة). ورغم هذا خرجت عدة فعاليات في الجامعات ومختلف المحافظات المصرية لإحياء مرور 100 يوم على فض اعتصامي رابعة والنهضة بالقوة، فقد سجلت فعاليات في عديد الجامعات المصرية منددة بالسلطات الانقلابية ومطالبة بإرساء دولة الحق والقانون، ومعاقبة منتهكي حقوق الإنسان على رأسهم وزيرا الدفاع والداخلية، كما عرفت القاهرة والإسكندرية ومدن أخرى فعاليات مماثلة رغم التضييق الأمني وفي شق متصل، وجه المنظر الأبرز للتيار السلفي الجهادي في العالم العربي الشيخ أبو محمد المقدسي (عصام البرقاوي) رسالة جديدة دعا فيها إلى توحيد الجهود بين التيارات السلفية الجهادية وجماعة الأخوان المسلمين وحزب التحرير في المنطقة والعالم لمواجهة المشروع الذي يستهدف الإسلام والمسلمين في هذه المرحلة الصعبة. ولأول مرة يصدر عن المرجعيات السلفية اتجاه من هذا النوع يؤيد الأخوان المسلمين حيث اعتبرت رسالة المقدسي التي انفردت جريدة القدس العربي اللندنية بنشرها والمنقولة عبر المحامي موسى العبدللات أن الأمة الإسلامية تواجه خطرا موحدا والمسجد الأقصى مستهدف. وجددت رسالة المقدسي وقوف التيار السلفي مع الرئيس الشرعي في مصر محمد مرسي في المعركة ضد الانقلاب العسكري. وصدرت عن المقدسي أيضا فتوى موازية تمنع وتحظر (تكفير) المسلمين. وقالت الفتوى: بالأساس لا يجوز تكفير المسلمين ومن ينتسب للإسلام لا نكفره لأن انتسابه للإسلام يقين ولا يزول اليقين بالشك.. إذا مجمل من ينتسبون للمسلمين فهم مسلمين.