في سنة ,1957 وقبل لقاء طنجة للأحزاب المغاربية بعام، نشر حزب الإستقلال المغربي بزعامة المرحوم علال الفاسي خريطة للمغرب الكبير أو المغرب التاريخي... الخريطة تشمل جزء كبيرا من غرب إفريقيا حتى نهر السينغال، والجنوب الغربي الجزائري وجزء من الجنوب حتى شمال مالي، الأمر هنا يتعلق بمشروع الحدود المتحركة، وهي الفكرة التي تتقاسم الرباط وتل أبيب تبنيها وتطبقها... في تلك الفترة لم تستطع المغرب فعل أي شيء أو القيام بأية مغامرة لتحقيق الحلم، فالجنوب كان خاضعا للإستعمار الفرنسي في موريطانيا والإسباني في الصحراء الغربية، ونهر السينغال كان جزء من غرب إفريقيا التي كانت كلها تحت الإستعمار الفرنسي، مثلها مثل منطقة الساحل بما فيها من النيجرومالي وتشاد بقيت الجزائر التي قظم المشروع أجزاء واسعة من غربها وجنوبها وقد دخلت ثورتها السنة الرابعة (1958)، وكان مؤتمر طنجة المذكور يستهدف دعم هذه الثورة وتأكيد أواصر الشعوب المغاربية وتضامنها ومصيرها المشترك. فوج وفد جبهة التحرير الوطني بطرح الوفد المغربي وأساسا حزب الإستقلال لمسألة الحدود بين البلدين، كان المغاربة يسعون إلى الحصول على تعهد وكانت إجابة الوفد الجزائري الذي كان يضم المرحومين فرحات عباس وعبد الحميد مهري، أن الشعب الجزائري يخوض الآن ثورة ولا يمكن لأي أحد أن يقرر باسمه قبل أن يسترد سيادته، وأن القضايا الخلافية مع أي طرف من الأشقاء سيؤجل النظر فيها حتى استقلال الجزائر. هذه المقدمة ذكرت بها فقط حين اطلعت الخميس الماضي على خبر استقبال ملك المغرب لاثنين من زعماء ما يسمى حركة تحرير ''أزواد'' شمال مالي وهما أمينها العام والناطق الرسمي باسمها. وأكيد فإن خطوة أو مبادرة كهذه ليست بريئة ليس فقط تجاه جمهورية مالي التي تحاول استرجاع استقرارها إنما حتى لبلدان الجوار وأساسا الجزائر. تذكرت إذن ''الخريطة التاريخية'' للمغرب الكبير التي تشمل شمال مالي، كما تذكرت مسعى المغرب الدائم في خلق القلاقل باستمرار للجزائر حيث لا يمر أسبوع إن لم يكن يوما أويومين إلا وتخرج فيه حكومة ''صديقنا الملك'' بتلفيقات واتهامات وتصرفات مثل حكاية طرد اللاجئين السوريين أو نسب تصريحات مكذوبة لوزير خارجية مصر حول قضية الصحراء الغربية... أعرف أن منطقة الساحل كلها موبوءة، وأعرف أن هناك أطرافا تسعى لتعفينها، لكن ما أعرفه أيضا أن المغرب لم يكن في يوم من الأيام مهتم باستقرارها أو أمنها، ما الهدف من هذه ''المكرمة الملكية؟ يبدو أن المغرب، وأمام الفشل المتكرر لديبلوماسيته منذ حوالي أربعين سنة عن احتلاله للصحراء الغربية باسم ''الحق التاريخي'' يسعى كما هي عادته دوما إلى خلط الأوراق وخلق خصم وهمي يعلق عليه كل مشاكله وفشله في إقناع المجتمع الدولي بأطروحاته حول هذا الإقليم الذي هو دوما في وضعية تصفية الإستعمار أود أن أذكر أن هذا الثنائي بلال آغ شريف، وموسى آغ طاهر اللذان ساقهما جهاز المخابرات المغربية لإعلان ولائهما أمام صاحب الجلالة معروفان بتلقب الولاءات لديهما ففي وقت من الأوقات، كانت حركتهما تخضع لتوجيهات القذافي ثم تحولت لتصبح أحد أدوات الأجهزة الفرنسية كما أن إعلان ما يسمى دولة أزواد شمال مالي منذ سنتين ثم من الدوحة في قطر وهاهي اليوم تحت جلابية الملك ترى من يكون الولي غدا ؟ منذ مدة تحاول أجهزة المخابرات المغربية ليس فقط اختراق بعض التنظيمات المسلحة المنتشرة في الساحل، بل سعت إلى خلق تنظيمات تدين بالولاء لها وتعمل تحت إشرافها مثلما حدث منذ سنوات حين اختطف تنظيم مسلح مجموعة من الناشطين الإسبان في الحقل الإنساني من مخيمات اللاجئين الصحراويين. وعلينا أن نتذكر أن سياسة هذا الجار أصبحت أحد عوامل اللاستقرار في كامل المنطقة، ليس فقط من خلال رفضه الخضوع للشعبية الدولية فيما يتعلق بنزاع الصحراء الغربية، إنما أيضا من خلال سعيه إلى تعفين الأجواء في شمال مالي الذي يسعى لاستعادة وحدته الترابية والمصالحة بين مكونات شعبه. حقا، الأمر يتعلق بأضغاث أحلام.. ولكنها مقلقة..