بعد إصداره أربع روايات هي» تصريح بضياع«، »يوم رائع للموت«، »هلابيل« و»في عشق امرأة عاقر«. أصدر الكاتب الجزائري سمير قسيمي رواية »الحالم« التي وصلت للقائمة الطويلة في جائزة الشيخ زايد للكتاب الشباب. تتقاطع رواية »الحالم« في عنوانها مع رواية لكولن ولسن تحمل ذات الاسم، بل إن الكاتب يورد جملة خلال النص يذكر فيها بوضوح سبب اختياره العنوان، في تمازج لا يحمل أي تمويه مع بطل روايته يقول: »أخبرت ناشري أنني انتهيت من رواية جديدة عنوانها الحالم، وكنت مضطرا لهذا العنوان رغم علمي أنه عنوان رواية رائعة لكولن ويلسن« ص .12 لكن »الحالم« عند سمير قسيمي يمكن اعتبارها ثلاث روايات داخل رواية واحدة، ضمن مزج فني يحاول تأصيل العبثي في مواجهة الوجودي والاستناد إلى لعبة تبادلية بين الشك واليقين، بأن أحداث الرواية من الممكن أن تحدث حقا، أو أن تظل مجرد لعبة سردية مشوقة يخايل فيها الكاتب قارئه ويتبادل معه الأدوار. يستخدم قسيمي اسمه الصريح ومهنته في الجزء الأول من الرواية، ويكشف عن هواجسه ككاتب، وعن اضطراب علاقته مع فعل الكتابة، بما يتوازى مع وجود حالة ارتياب عبثي بكل ما هو مكتوب ومطروح على أنه حدث يقيني، إذ ليس ثمة يقين في »الحالم«، بل هناك حالات متجاورة من العبث والتفرد المقصود في اختيار الشكل الروائي الذي وضع قسيمي فيه روايته. والذي أكد على حالة العبث واللايقين العبارة الواردة في الجزء الأخير من الرواية لجاكوب بروفنسكي : »ليس ثمة معرفة مطلقة. وأولئك الذين يدّعون خلاف ذلك، يفتحون الباب على المأساة. فكل المعلومات منقوصة، غير كاملة ويجب التعامل معها وتناولها بتواضع«ص.341 وكأن الكاتب يستند إلى هذه العبارة، لتبرير ما وقع من أحداث غامضة ومتشابكة ومبتورة على مدار صفحات الرواية. تنقسم رواية الحالم كما ذكرنا إلى ثلاثة أقسام رئيسية: »مسائل عالقة« و »الكفيف يمكن أن يرى« و أخيرا »المترجم«. وفي داخل كل قسم هناك فصول صغيرة، بالإضافة إلى مقدمة وضعها سمير قسيمي على اعتبار أنها تقدم للقارئ مفاتيح للنص، لكنها ليست أكثر من محاولة تمويهية تضفي على النص مزيدا من الغموض والتشويق. تتضمن المقدمة مجموعة من الأحداث يسردها الكاتب بشكل واقعي يتضمن تفاصيل شخصية ومهنية، ومنذ الصفحات الأولى يكشف الكاتب عن التباس في وجود رواية يتسلمها قسيمي من الطبيب النفسي كمال رزوق. الرواية التي يتسلمها تحمل عنوان »مسائل عالقة« وكتبها كاتب مرموق يدعى ريماس ايمي ساك، يكتب بالفرنسية أصدر ثلاثين رواية على مدار رحلته الأدبية، ويعاني من فقدان ذاكرة، ومن عمى نصفي، فقد زوجته وهجرته ابنته الشابة ويعيش وحيدا في عمارة تطل إحدى غرفها على زقاق ضيق تقع في آخره مقهى »ثلاثون«. هكذا يأخذ رقم ثلاثون دلالة أيضا في ان يكون عدد روايات ريماس ايمي ساك، واسم المقهى الذي تدور فيه أجزاء كثيرة من أحداث الرواية. تبدو الصفات النفسية والواقعية التي تتعلق بريماس ايمي ساك الكاتب المكرس عادية للوهلة الأولى إلا أنه ليس ثمة أي تفصيل يتم ذكره من دون أن يحرص قسيمي على توظيفه بشكل يتوافق مع لعبة المرايا المتجاورة الموجودة على مدار النص؛ وضمن الإطار العبثي للرواية نجد أن هذه الاضاءات تمثل نقاط محورية في كشف شخصية »ريماس ايمي ساك«، الذي يتبين أنه يتقاطع مع الكاتب سمير قسيمي بالاسم نفسه، لأن اسم »ريماس ايمي ساك« هو اسم سمير قسيمي معكوسا في المرآة. هكذا يبدو من المهم تفكيك شخصية ريماس ايمي ساك الذي يتبين أنه ينتحل شخصية كاتب آخر ويسرق إبداعاته وافكاره، حتى نصل إلى عنوان »مجرد جنازة وحسب«، لنجد صوت ريماس ايمي ساك يأتي من عالم الموتى قائلا: »الجثة التي في النعش جثتي..أنا الرجل الميت منذ ساعات«. وإذا كانت هذه التقنية ظهرت في روايات أخرى، إلا أنها تحضر في رواية »الحالم« لتعمل على التأكيد على فكرة تكسر الزمن والانقلاب على خط السرد الرئيسي الذي طرح فكرة وجود ريماس ايمي ساك، كما سيتضح في ختام النص. تتداعى الأحداث الزمنية المتشابكة في الحالم مع ظهور شخصيات أخرى كثيرة في النص منها: عثمان بوشافع، شرطي تم تسريحه من وظيفته بلا سبب واضح، نوى الشيرازي عاهرة، ليليا أنطون ناشرة لبنانية ترتبط بعلاقة مع مترجم روايات ريماس ايمي ساك، وجميلة بوراس، ابنة ريماس ايمي ساك؛ وكل هذه الشخصيات يتم توظيفها في الإطار التجريبي للسرد القائم أساسا على افتراض نصي يتعلق برواية »مسائل عالقة«، حيث تغيب هذه الشخصيات، لتحضر شخصيات أخرى منها رضا خباد المريض النفسي، المهووس بالكتابة، والذي يتداخل مع الأحداث منذ البداية في ظهور متواري مقارنة مع سائر الشخصيات ليكون هو البطل المحوري، والكاتب للروايات الثلاث التي تتضمنها الرواية. يتوازى المنحى التجريبي الفني في رواية »الحالم« مع المرض النفسي لكاتب مفترض أيضا هو رضا خباد، لنقرأ الفقرة التالية: »أكد الدكتور رزوق، الطبيب المعالج للكاتب رضا خباد، أنه فقد كل أمل في شفاء مريضه، الكاتب رضا خباد. مؤكدا أنه يامل في أن يشفى المريض بعد أن شرع هذا الأخير في كتابة ثلاث روايات متتالية لم يسبق له كتابتها سابقا والتي سيسدل عنها الستار في الأشهر القليلة القادمة.. وقال الدكتور رزوق في نفس الحوار أنه تفاءل خيرا مع كتابة رضا خباد لروايتيه »المترجم« و »الكفيف يمكن أن يرى«، لشعوره أن خباد يحاول بطريقته أن يرجح جانبه العاقل والواقعي وذلك من خلال لستغلاله لاشخاص حقيقيين من واقعه في هذين العملين، لكنه نفاجأ مع نهاية الرواية الثانية بتراجع خباد عن العودة إلى الواقع واكتفائه بعوالم يتماهى فيها الواقع والمتخيل أو ما أسماه الكاتب عالم ما وراء المرايا« ص .349 ولعل السؤال الذي يطرحه الطبيب النفسي في الصفحة الأخيرة من الرواية يمثل تجسيدا لفكرة الرواية حين يقول: »هذا المريض أعجزني لأنه لا يكف عن الحلم، أخبروني كيف يمكن لواقع مهما كان رائعا أن يرضي الرجل الحالم؟«. من الممكن التوقف أمام دلالة العبارة الأخيرة المقترنة بعنوان الرواية، للاستدلال على فكرة »المحال« التي أراد سمير قسيمي تحميلها لنصه، الذي يمضي في عدة مسارات متشابكة، لا تكتفي بدمج أكثر من رواية ضمن أخرى، بل تلجأ إلى أساليب سردية تجريبية أخرى مثل تضمين النص فقرات كاملة مكتوبة بالفرنسية، واستخدام تقنية الرسائل، والتناص. تقدم رواية الحالم أكثر من مستوى في السرد، كونها تنتمي إلى نوع الرواية التفكيكية، التي تحتاج من القارئ إلى ذهن غير كلاسيكي في تلقيها، وتفكيك طبقات السرد التي تتشكل وتأخذ أكثر من منحى تجريبي، لا يمكن الجزم به بعد انتهاء الرواية التي تنتصر لفكرة الحلم على الواقع، والجنون على العقل، لأن الجنون هنا يبدو مصدرا للابداع، لذا تقيم »الحالم« في هذا الانحياز معادلة نفسية ترجح كفة الخيالات على الحقائق.