عرفت العاصمة في الآونة الأخيرة رواج تجارة الأعشاب الطبيعية، خلقت تنافسا شديدا بين المروجين لها، على التلفزيون والإعلانات الاشهارية والدعائية التي تتجاوز تأثيراتها المزعومة قدرات مصباح علاء الدين السحري، هناك من يدعي قدرته على معالجة ما استعصى على الطب علاجه واعتماد الطب الطبيعي كبديل مؤقت للأدوية والعقاقير الأخرى، مما يجعل كثيرا من الناس يؤمنون بهذه الوصفات، ويتحملون أموالا باهظة أملا في أن تخفف ألامهم . في تحقيقنا هذا حاولنا التعرف على عالم الأعشاب المغشوشة، وأساليب الغش التي يتبعها بعض ضعاف النفوس، باختيار نوعيات رديئة من الأعشاب وخلطها بمواد كيماوية لإعطاء مفعول فوري في التحسن، لكن بعد ذلك تؤدي إلى تردي حالة من يستعملها وقد يصعب إنقاذه، وربما يدفع حياته ثمناً بسبب تناولها. إن لم تنفع لا تضر... قمنا بجولة إلى بعض محلات بيع الأعشاب الطبيعية بأحياء العاصمة، وعند تقربنا من بعض النساء لمعرفة وجهة نظرهن حول طبيعة الأعشاب الذي يتبعونها في الحمية الغذائية ومعرفة المخاطر التيقد تنجر عن تناول هذه المستحضرات المجهولة المصدر، فيهذا الصدد قالت إحدى السيدات: »أردت اتباع حمية بتناول بعض الأعشاب من أجل استعادة رشاقتيمن جديد، فجربت الكثير من أنواع الأعشاب الطبيعية واقتنيتها بأسعار زهيدة قصد إنقاص وزني، ونتيجته مضمونة وإن لمينفع،لايضر«. كثيرات هن الفتيات اللواتي يلجأن إلى أعشاب النحافة ومستحضرات الرشاقة بماركات عالمية لبنانية وسورية باهظة الثمن جاهلين أضرارها ومخلفاتها الصحية، فجل ما لمسناه عند فئة النساء أنهن بعد استعمالهن لأعشاب النحافة، عانين من مرض فقر الدم ونقصان الشهية وتشنجات في الهضم، وفي هذا الإطار تروي لنا أمال قصتها قائلة» كنت أعاني من السمنة فجربت عدة أعشاب للنحافة لعدة أشهر وكنت أقتنيها بأثمان غالية ومن ماركات متنوعة حتى أتخلص من السمنة، وبعد تناولي المستمر لها لم تظهر نتيجتها، لكن خلفت لي أضرارا جسدية ونفسية إذ بدت علي أعراض جلدية وفقدان الشهية، إذ وصل بي الحال الدخول إلى المستشفى مرارا، وتبين بعدها أني أصبحت أعاني حساسية جراء مكونات بعض الأعشاب،والآن أنا أعالج طبيا وأتبع حمية خاصة قصد التخلص من أعراض تلك الأعشاب . عبد الله صاحب محل لبيع الأعشاب الطبيعية بالعاصمة، يقول أنه لا يمكن أن تعالج الأدوية كل الأمراض الموجودة، لابد من اللجوء الى الأعشاب لعلاج بعضها، هو يمارس مهنة بيع الأعشاب الطبيعية منذ أكثر من خمسة عشر عاماً، ويصف عبدالله أولئك الذين يدعون بأنهم يملكون علاجاً لكل مرض بأنهم نصابون ويقول عن نفسه بأنه لا يستطيع معالجة كل الأمراض ويشدد على ضرورة الرجوع أولاً إلى الطبيب وإجراء الفحوصات وليس بالوصف فقط. فيما يؤكد أحد باعة الأعشاب بباب الزوار بأن بعض المرضى يأتون إليه بعد أن يئسوا من علاجات الأطباء وتحديداً أةلئك الذين يعانون من وجود الحصى بالكلى والمسالك البولية،وهو يعيب على بعض الأطباء تجاهلهم لهذا العلم. أطباء يطالبون بوضعها تحت إشراف جهات مختصة الدكتور محمد سنوسي طبيب عام، يقول أن التداوي بالأعشاب الطبيعية معروف طبياً وعلمياً، والأعشاب الطبيعية بشكل عام تأخذ ثلاثة اتجاهات أساسية،الأول تستخدم في الغذاء ولها فوائد علاجية أو وقائية، وللتداوي فقط،وتستخدم كمستحضرات تجميلية وعطرية، مؤكدا أن التعامل مع الأعشاب يجب التحكم فيه علمياً أو تحت إشراف جهات معينة ومعروفة، لذلك يحتاج استخدام هذا النوع من التداوي إلى هيئة خاصة لتقنين استخدامها علمياً. ويرى محدثنا أن عيب التداوي بالأعشاب يتركز في الجرعة الواجب إعطاؤها للمريض، تناولها دون تحديد الجرعة بدقة هي كميات غير صحيحة علمياً، فليست كل المواد الموجودة في العشبة الطبية فعالة، فقد تكون موادها مؤثرة وغير مفيدة، ثانياً إن كل عشبة أو حبوب أو شراب يتكون من عدة مواد تصل إلى أكثر من عشرين مادة فعالة، والمطلوب مادة واحدة فقط للعلاج وبالتالي فبقية المواد تعمل عملها بالرغم من عدم الحاجة لها، فمنها ما يصيب القلب أو البطن أو الأعصاب لذلك تتحول إلى آثار جانبية أو سلبية. من جهتها نبهت صونيا ميهوب صيدلية بالعاصمة، من تعاطي الأعشاب، وتقول بأن للأدوية الطبية آثارا ضارة أو جانبية على جسم الإنسان وهي معروفة وتحديداً تصيب الكبد والكليتين، فمن المهم قبل استخدام الأعشاب معرفة آثارها على الكبد وعلى البطن عموماً، فعند التأكد من هذا لا بأس من استخدام الأعشاب الطبية مع التقيد الجرعة المضبوطة والسليمة. ويجمع المختصون في الطب أن مهنة التداوي بالأعشاب هي نفسها مزاولة مهنة الطب، أي أنه لا يجوز لأي شخص أن يصرف وصفة طبية عشبية إلا إذا كان يحمل مؤهلا يتيح له التعامل مع هذا الطب، أما ما نشاهده اليوم في الشوارع من باعة متجولين ومحلات تمارس هذه المهنة أو محلات العلاج بالقرآن يقومون بصرف أعشاب طبية مجهولة المكونات فهو أمر مخالف للقانون، وهذه العشوائية تحتاج إلى جهد من السلطات المحلية لمراقبة عمل هذه المحلات خصوصا وأن الأعشاب التي تصرف للناس لا يعرف منتجوها ولا مصدرها وهل هي علاجات معتمدة طبياً أم لا ؟ وهل هو مقرر كعلاج؟ كما يحذر الأخصائيون من التداعيات الخطيرة للتداوي العشوائي بالأعشاب، ويشدّد هؤلاء على أنّ استعمال الأعشاب الطبية دون مراجعة المختصين ينطوي على سلبيات عديدة، مبرزين حتمية تفادي استخدام هذه الأعشاب في علاج العلل المستعصية. التداوي بالطب البديل يجب أن يكون في حدوده المسموحة من الناحية الدينية أوضح الأستاذ الجامعي عبد الرؤوف بوعلي، أن الأعشاب الطبيعية متنوعة وفوائدها عظيمة ومعروفة منذ القدم، مثل الحبة السوداء، التي قال عنها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم )الحبةُ السوداءُ شفاءٌ من كُلِّ داءٍ إلا السأم(، فهي تُستخدم لعلاج كثيرٍ من الأمراض وتزيد مناعة الجسم، كما أن اليانسون والكروية والنعناع تفيد في عسر الهضم وإزالة الانتفاخ، فلا أرى ضرورة للتداوي بالطب البديل لكن في حدوده المسموحة حتى لاتعد النعمة نقمة على صحة الإنسان، مضيفا أن الأعشاب هي المصدر الأساسي للكثير من الأدوية الحالية والسابقة ولكن غياب المعاهد والكليات المتخصصة في طب الأعشاب ترك المجال مفتوحاً لكل نصاب فأبدع الذين يدعون بأنهم يملكون علاجاً لكل الأمراض من البسيط إلى المزمن ما جعل الناس ضحية لهؤلاء، في ظل غياب القانون الذي ينظم هذه المهنة التي دخل فيها كل من هب ودب وأصبحوا يبيعون الوهم للناس.