كتبت في هذا الركن عند بداية الحملة الانتخابية للرئاسيات محذرا من مغبة الانزلاق والانحراف نحو هملة لا يعرف لها قرار، والآن وقد أتينا على نهايات هذه الحملة، فيمكننا ان نستخلص بعض النتائج التي نراها تستحق التأمل والتحليل، فقد تبين ان هناك مؤشرات تتعلق بوسائل الاعلام وأخرى تتعلق بمضمون الخطاب السياسي لهذه الحملة والمتسم بالوعود من جهة، وبالتنديد من جهة اخرى - بالنسبة للمؤشرات المتعلقة بوسائل الاعلام، نسجل انه لأول مرة يتم استعمال القنوات التلفزية الخاصة في الدعاية للانتخابات الرئاسية بشكل مكثف، علما انه قد سبق للمعارضة ان استعملت التلفزة في الحملة الانتخابية سنة 2004 عبر قناة الخليفة لكن هذه القناة كانت برمتها تعد وتبث من خارج التراب الوطني ، وايضاً تم استخادم التلفزة في الانتخابات التشريعية السابقة عبر قناة العدالة لعبد الله جاب الله لكنها لم تكن ذات طابع إعلامي فلا هي موضوعاتية ولا هي إخبارية بل عبارة عن محطة لبث خطب مترشحي الحزب، اما في هذه المرة فقد تم انشاء ثلاث قنوات جديدة بالمناسبة، وهي : وئام، والرئيس لعبد العزيز بوتفليقة، والأمل لعلي بن فليس، اضافة الى كل القنوات الخاصة الاخرى حوالي عشرين قناة العاملة في الجزائر بطريقة offshore والتي ساهمت بشكل او باخر في هذه الحملة، وكانت طرفا فاعلا في عملية تسويق وتلميع صورة المترشحين، ومحاولة اجتذاب ما يمكن اجتنابه من الجماهير. واضافة الى القنوات التلفزية، فقد ظهرت شبكات التواصل الاجتماعي كوسيط فعال يأتي في درجة ثانية بعد التلفزة خاصة منها الفيسبوك واليوتيوب اللذان استعملا بكثافة، وتميزا بحرية مطلقة الى درجة الإسفاف والبذاءات في الفيسبوك، وأغاني الراب الفاحشة وألفيديوهات المفبركة في اليوتيوب، وبهذه المناسبة يمكن ان نذكر بالدخول غير المسبوق للفن والطرب الترويجي، كما نسجل غياب الإذاعات الخاصة مرة اخرى. وما يمكن ملاحظته كذلك انه في هذه المرة اختلفت المعطيات بالنسبة للصحافة الورقية التي صارت اقل هيمنة على المشهد الاعلامي لكنها تورطت كثيراً في قضايا التضليل والتزوير. واحتقار ذكاء القارئ، والافتراء والكذب وتحريف القول، من قبل الصحف المعروفة بالإثارة وعدم التزامها بأخلاقيات المهنة، وافتخارها بالوقوف يوميا امام المحاكم. - اما بالنسبة للمؤشرات المتعلقة بمضمون الخطاب السياسي فيبدو خلوه من التحليل الدقيق لواقع المجتمع الجزائري المتسم بتجدد الأجيال بصورة عالية، ومن ثمة تجدد الانشغالات، وتنوع الحاجات، وتجاوب اكبر مع المؤثرات الحديثة للحضارة، واندماجه في تداعيات العولمة، وليس ببعيد عن مرمى سهام الفوضى غير الخلاقة التي تجتاح العلاقات الدولية، بينما ظل الخطاب السياسي في هذه الحملة بطيئا مستنسخا عن بعضه البعض، لا يلبي الحاجات الحقيقية، ولا يعبر عن التطلعات الجديدة للمجتمع الجزائري، وعوض ذلك انخرط في خطاب المثاليات والأحلام الوردية والوعود الكاذبة من جهة، وخطاب الوعيد والتخوين والترهيب والترويع والتنديد الفاحش من جهة اخرى، كما لم يحافظ حتى على الهيبة والوقار المفترضة في الخطيب، فانزلق نحو الحضيض الأدنى في مفرداته، وانحط الى الابتذال والسوقية في تعابيره، ومثال ذلك هذه المفردات المقززة :ناناك، داداك، وتراريس، والهردة الرابعة، وقد أشرت الى ذلك في مقال سابق، وخلاصة القول انه في هذه الحملة اشتد التضليل، واحتد التهويل، وانتهكت الحقائق، وطال التحريف والتزييف، من دون وازع أخلاقي، او مهني، الأقوال والآراء، وباختصار شديد يمكن القول بأن هذه الحملة، فعلا، كانت هملة عن القيم، والأخلاق، والمبادئ التي يتحلى بها الشعب الجزائري الذي عرف كيف يرد على خطاب الوعود والوعيد والتنديد.