فتح متخصصون مغاربة في السياسة والأمن نقاشا يبدو من الوهلة الأولى غير بريء حول احتمالات نشوب حرب بين الجزائر والمغرب في المستقبل، فالتكهنات بالحرب الوشيكة بين الجارين المتخاصمين، شكل منذ سنوات أداة من أدوات الدعاية المسمومة التي استعملها نظام المخزن لجلب التعاطف الدولي لصالح أطروحاته الاستعمارية في الصحراء الغربية، والهاء المغاربة عن معاناتهم مع الخبز والسياسة. تكفل الموقع الاليكتروني المغربي »هسبريس« ككل مرة بمهمة تمرير هذا النقاش الذي جاء من دون أدنى شك تحت الطلب ولغرض معروف، له صلة أولا بالتقرير الأخير للأمين العام الأممي بان كي مون الذي جاء مخالفا لرغبات وتوقعات الرباط، ويرتبط أيضا بالدعاية التي يروج لها النظام المغربي بغية التجنيد المتواصل للمغاربة ضد خطر وهمي أو »غول« اسمه الحرب مع الجزائر. واللافت في هذا النقاش الأجوف أنه لم يكن عبارة عن جدل بأطروحات حقيقية متناقض في النتائج بالقدر الذي عكس خلافات شكلية بين أصحابه، بين من يرى بأن الحرب بين الجزائر والمغرب هي قاب قوسين أو ألأدنى من الوقوع، وبين من يرى أن شروط هذه الحرب غير متوفرة في الوقت الراهن، وأن القوى الدولية لن تقبل بها على المدى القريب على الأقل لاعتبارات براغماتية بحتة. وكان المغربي عبد الرحيم المنار السليمي، رئيس المركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات، البادئ بإعادة بعث هذا النقاش وبطريقة أقل ما يقال عنها أنها مغالية في التسييس وبعيدة كل البعد عن البحث الموضوعي العلمي والأكاديمي، فزعم أن للجزائر نية في ضم الصحراء التي هي محط نزاع بين المغرب والبوليساريو، ومن ثَم قد تشن حربا على المغرب، واعتبر أن قضية الصحراء الغربية بدأت » تأخذ أبعادا إستراتيجية أكثر خطورة، والنزاع الموروث عن مرحلة الحرب الباردة ينزلق تدريجيا خارج أروقة الأممالمتحدة، نتيجة سوء تقييم قانوني وسياسي للأمين العام الثامن للأمم المتحدة ومبعوثه كريستوفر روس...«، وادعى هذا الباحث المغربي أن المغرب يتعرض لضغوطات »رفعت من سقف أطماع الجزائر التوسعية، ولا أحد يعرف هل الأمين العام الأممي، الذي يقول إنه نشأ في مناخ حرب وشاهد الأممالمتحدة وهي تساعد بلده على التعافي وإعادة الأعمار، بوعي أو بدون وعي منه، قد يدفع تدريجيا بتقييمه الخاطئ لملف الصحراء نحو حرب جزائرية مغربية من شأنها تهديد الأمن والسلم الإقليمي في منطقة معرضة للانفجار وتتجه فيها العديد من الدول إلى مزيد من عدم الاستقرار والفشل..«. ووقع السليمي في فخ أفكاره المستمدة من الأطماع التوسعية للنظام المغربي التي يتكلف حزب الاستقلال وعلى رأسه حميد شباط الترويج لها، لما راح يؤكد أن »المغرب في نظر المسافة الزمنية الممتدة بين جزائر الهواري بومدين وجزائر بوتفليقة ليس من حقه استرجاع أراضيه التي قطعها الاستعمار..« وبحسب هذا الباحث المغربي فإن عدم المساس بالحدود الموروثة عن الاستعمار هو » بدعة ومبدأ تدليسي وبرغماتي لا علاقة له بالقانون الدولي«، يهدف من جهة إلى حرمان المغرب من أراضي الصحراء الغربية التي يزعم أنها »أقاليمه الجنوبية« ، » وتتصدى لكل إمكانية مستقبلية للمطالبة بجزئه الترابي في الصحراء الشرقية«، مضيفا: »فالأمين العام الأممي، بإمكانه أن يفتح أبواب إدارته في الأممالمتحدة لاستقبال مغاربة الحدود الشرقية الذين يملكون حججا اثباتية في شكل رسوم عقارية لأراضي موثقة بشكل قانوني لدى موثقين محلفين فرنسيين في مرحلة الحماية، تثبت ملكيتهم لأراضي محتلة اليوم من طرف الجزائر..«، والمقصود بالصحراء الشرقية كما يعرف الجميع هي كل أراضي الغرب الجزائري الممتدة من تلمسان شمالا إلى غاية بشار وتندوف وحاسي البيضة وكل إقليم توات وفق مزاعم النظام المغربي تضمنتها خارطة حزب الاستقلال المغربي منذ عقود، وهي خارطة توسعية تعكس عقلية استعمارية بحيث لا تكتفي بالأراضي الجزائر بل تضم أيضا كل الصحراء الغربية وموريتانيا وتصل إلى نهر السنغال جنوبا. اسم مغربي أخر كلف بدوره بتنشيط هذا النقاش ويتعلق الأمر بالدكتور سمير بنيس الذي رأى عكس مواطنه السلمي مؤكدا أنه »لن تقع الحرب بين المغرب والجزائر، لأسباب عدة منها أسباب جيوستراتيجية وأمنية، فالقوى الغربية لن تخاطر بالسماح باندلاع حرب بين الجارين«، وواصل يقول أن »حل النزاعات عبر الحروب المسلحة أصبح متجاوَزا، وعَوضَها اليوم مفهوم الحرب بالوكالة..«، متهما الجزائر بتوظيف البوليساريو لضرب المغرب، مع أنه كان عليه أن يقول بأن المغرب هو من يوظف حركات إرهابية على غرار حركة التوحيد والجهاد وبعض الحركات الترقية الانفصالية لإغراق الجزائر في قلاقل أمنية لا تنتهي في الجنوب الكبير. ولاحظ هذا الكاتب المغربي أن »مضيق جبل طارق من بين أهم المنافذ البحرية التجارية في العالم، التي تُسهل نقل البترول والغاز وعدد كبير من السلع، حيث يأتي ثانيا عالمياً بعد مضيق ملقة بسنغافورة من حيث سيولة النقل البحري، بأكثر من 100 ألف باخرة سنويا ويكفي أن نتخيل الآثار التي يمكن أن تُلحقها حرب إقليمية تدور رحاها بمنطقة إستراتيجية بالمتوسط وعلى أبواب أوروبا بالاقتصاد العالمي..«، مبرزا من جهة أخرى المصالح الاقتصادية والاستثمارات الكبيرة للأوبرا في الجزائر والمغرب. يبدو تحليل الدكتور سمير بنيس فيما يتعلق باستبعاد نشوب حرب بين الجزائر والمغرب واقعيا وأكثر انسجاما مع الحقيقة والمنطق، بل إن كل الدراسات الأكاديمية تتحدث عن هذه الأسباب التي جعلت الحرب بين الجزائر والمغرب تتحول إلى مجرد وهم يسيطر على بعض المغاربة بسبب استعماله المفرط من قبل مخابر نظام المخزن لتحقيق أهداف كثيرة. أطروحة الحرب الوشيكة التي تتكرر كلما اشتد الضغط الدولي على الرباط وتعالت الأصوات المنددة بسياساتها الاستعمارية القمعية في الصحراء الغربية المحتلة، تهدف إلى ضمان التجنيد المتواصل للمغاربة وكسب التعاطف المحلي والدولي لأطروحات المغرب في الصحراء الغربية، والهاء المغاربة عن مشاكلهم سواء كانت سياسية، خاصة بعد ارتفاع حدة الاحتجاجات في الشارع المغربي، أو كانت متصلة برغيف المغاربة ومختلف المشاكل التي يعانون منها، خصوصا في الجهة الشرقية من المملكة، فانعدام التنمية والارتفاع الفاحش لأسعار المواد الاستهلاكية الأساسية واستفحال البطالة ومشاكل السكن والانتشار المرعب للمفاسد الأخلاقية وللمخدرات، كل ذلك يخيف النظام المغربي من ثورة عارمة تهدد كيانه في أي لحظة.