يقول الروسي ميخائيل باختين: الرواية هي الشكل الأدبي الوحيد الذي يرفض الاكتمال، بينما يعلّق الروائي الجزائري الفرانكفوني رشيد بوجدرة في إحدى حواراته على شروط الرواية الحداثية قائلاً: أولاً، الموضوع الذي يكون عبارة عن حدّوتة، ثانياً شعرية النص، ثالثاًÅالبنية، رابعاً التراكم المعرفي في الرواية، خامساً استعمال التناص، وربما نتفق أو نختلف مع بوجدرة، في محاولته لتأطير مالايؤطر، لكن ذلك لا ينفي وجود قدر من الوجاهة والصحة فيما سعى إليه، لتكون المحصلة حول الكتابة التجريبية متجسدة في تلك المقولة التي يروج لها الروائي المصري محمد عبد النبي الكتابة هي اللعب بمنتهى الجديّة. نقدم هنا شهادات من ثلاثة روائيين عرب، السوداني أمير تاج السر، السوري خليل صويلح، واليمني على المقري، حول المنجز التجريبي في الرواية العربية، الآفاق التي وصل لها، والتحديات الكبرى التي تواجه كل محاولات الخروج عن النمط السائد في السرد. أمير تاج السر: ''التجريب في الكتابة'' منذ بدايتي الأولى في رواية كرمكول، آخر ثمانينيات القرن الماضي، وأنا أحتفي بالتجريب، أعتبره مفصلاً مهماً في الكتابة الروائية، من أجل أن يصل الكاتب إلى نص جديد غير مألوف، وفي نفس الوقت يتوصل إلى بصمته الخاصة في الكتابة، بعد سنوات التجريب الأولى. شخصيا سعيت إلى ذلك بجدية كبيرة، ليس رفضاً للكتابة التقليدية المتوارثة، ولكن بحثاً عن تلك البصمة، ومعروف إن القارى وحتى الناقد، تعود على قراءة نمط معين من الكتابة لزمن طويل، ونشأ عنده ما يعرف بالتذوق المستقر الذي يجعله ينفر من التجارب المبتعدة عن نمطه، وبالتالي ربما يظل الكاتب المهتم بالتجريب، بعيداً عن الأضواء، والقراءة الجادة، والنقد، لزمن طويل، قبل أن يخترع قارئه وناقده الخاص، ومن ثم يُعرَف جيداً بعد ذلك. Åحين نشرت روايتي كرمكول في مصر عن دار الغد التي كان يملكها الشاعر الراحل: كمال عبد الحليم، احتفى بها البعض، واعتبرها البعض نشازاً، ولم تحقق انتشاراً كبيراً، هي عدة أقلام تناولتها إيجاباً أو سلباً، ولا أعرف حقيقة ردود أفعال القراء الذين طالعوها، لأنه لم تكن هناك وسيلة للتواصل بالقراء مثل اليوم. كانت تلك الرواية غريبة في الشكل والصياغة اللغوية، تؤطر للمكان الجغرافي، بلا حدث كبير، وتحتفي بالشعر أكثر كوني انتقلت فجأة من الشعر للسرد، لكنها كانت بالنسبة لي الشرارة التي حركتني، وظللت أجرب في الشكل والصياغات، وفي البناء أكثر، في أعمال لاحقة، مثل: ماء بلون الياقوت، ونار الزغاريد، ومرايا ساحلية، إلى أن توصلت إلى صيغة مصالحة بين الشعر والسرد، وكتبت روايتي المهمة بالنسبة لي: مهر الصياح، وكانت في رأيي الشخصي، هي الرواية الأولى التي حصلت بها على هويتي الكتابية، وشكلت الأسلوب الذي سأتبعه بعد ذلك في أعمالي اللاحقة. لقد نالت مهر الصياح حقها من القراءة، والنقد والانتشار، والترجمة إلى اللغة الإنجليزية، وظلت مرجعي الخاص الذي أعود إليه من حين لآخر، وحين كتبت الأعمال التي أتت بعدها مثل: زحف النمل والعطر الفرنسي وصائد اليرقات، كان يوجد قارئ مهر الصياح الذي سينتظر تلك الأعمال ويتفاعل معها وأيضاً الناقد الذي سيتفاعل. وأعتقد أن المسألة في النهاية، شديدة التعقيد وتحتاج إلى صبر ودأب كبير. بالنسبة للتجارب الجديدة للكتاب الشباب، أنا أحتفي بها كثيراً، وأرى داخل كثير من النصوص الجديدة، ملامح بصمات لكتّاب سيحتلون مكانة جيدة في المستقبل، لقد تحولت الرواية الجديدة، بفعل هذه التجارب الشابة إلى عمل بسيط يستوعبه القارئ المشغول بالقراءة، والقارئ العادي أيضاً، وفي نفس الوقت، يمتاز بالعمق والحداثة، لقد دخلت لغة الشارع كثيراً من النصوص، وبعض الكتاب استخدموا العامية العادية، أساساً للسرد ووجدت أعمالهم ترحيباً، ومع كسر كل القيود السابقة في الكتابة، ومع ثورات الربيع العربي، أصبح بالإمكان أن تضاف مواضيع لم يكن مسموح طرقها في الماضي. إلا أن هذا النوع من التجريب، ينبغي طرقه بحذر، لأنني لم أستسغ تسلل بعض العبارات السوقية إلى عدد من الروايات التي كانت ستكون أفضل بدونها، هذه لا ترتقي بالذوق العام للمتلقي وإنما تنحدر به، وعموما سيأتي الزمن الذي يحكم على مثل تلك الأعمال. خليل صويلح: جنود الحراسة حفنة من الروائيين السوريين حجزوا الباص ذهاباً وإياباً، ولم يسمحوا لركاب غرباء أو جدد الصعود إلى الحافلة. كان خط سيرهم واضحاً، حتى أن سائق الباص لم يعد بحاجة فعلية للانتباه إلى مكان الحفر والمطبات. محطة الانطلاق كان اسمها محطة العثمانيين، وفي العامية العصملّي أو سفربرلك، وسيتوقف الباص بالتأكيد عند محطة المماليك للتزود بالوقود، وتحية الظاهر بيبرس، وقد يتوقف لبرهةٍ في محاكمة تيمورلنك،أو جنكيز خان. الانتداب الفرنسي له حصة في الرحلة بالطبع، قبل أن يتوقف الهوب هوب عند فلسطين لانعاش المسافرين ربما، بكوب عصير من برتقال يافا، وقد ينكش أحدهم أسنانه بفطيرة من محلات ال,67أو سوبر ماركت السجن السياسي. كان التاريخ يتجوّل في تخوم النصوص بإعادة إنتاج أسماء الأبطال على نحو آخر، أو ما أسميهفياغرا التاريخ. هكذا حفظنا الدرس جيداً، ولم نتمكن العد إلى العشرة. هذا يكفي، ففي سلسلة الرتب الروائية لدينا لواء وكولونيل ونقيب، فما حاجتكم إلى جنود الحراسة؟ نحن جنود الحراسة بالطبع،أو المناوبون الليليون ،أو الأغرار، بانتظار كلمة السرّ، كي لايتفجر اللغم بين أقدامنا. لااعتراف جدياً وصريحاً بجيل جديد في الرواية السورية،على العكس تماماً،هناك إقصاء علني من الكهنة الكبار، واتهامات بتخريب الرواية وهتك قداسة موضوعاتها. هناك أيضاً محاولات لتصليح الباص المعطّل بإضافة عبارات من نوعلاتسرع يابابا نحن بانتظارك، أوغزالة الصحراء. نحن إذاً، من خطف الباص واحتل مقود السائق المتهور والطائش الذي حصل على رخصة سوق مزوّرة، فأثار هلع المارّة. الاتهامات التي تطال الروائيين الجدد تتوزّع بين اقتحام المحرمات من أجل الشهرة والترجمة إلى اللغات الأخرى، والخفة، واستعارة سرديات الآخر،هذه الاتهامات في حقيقتها، محاولة لإزاحة هؤلاء الروائيين من الواجهة، وحين تنتفي هذه التهمة، هناك قائمة أخرى جاهزة:إنه جيل ركيك يخطئ بقواعد النحو والصرف، أو جيل يتلصص على حبل غسيل الجيران، و يكتب عن الجنس بإيحاء من سفارات أجنبية»كولونيل روائي وجه لي شخصياً هذه التهمة في أحدى الصحف المحليّة»، وآخر حذّر من إقحام أدب غرف النوم في الروايات وسمح مشكوراً بالتجوّل في البيجاما بين الصالون والمطبخ، وثالثة ميّزت ما تكتبه عن بنات جيلها، بأنها تكتب أدباً، أما الأخريات فيكتبنّ قلة أدب في الواقع إن هؤلاء الكهنة، وربما البرابرة كما أشتهي أن اسميهم،انتبهوا إلى أن البساط يُسحب من تحتهم، بعد أن استهلكوا التاريخ القديم، وحقبة الانقلابات، وفساد السلطة، والبوليس السري، فأضافوا إلى نصوصهم الجديدة بعض المشهيّات، مثل الموبايل والبريد الإلكتروني والأسماء الحقيقية للشوارع والمقاهي والساحات. قبل ذلك كانوا يلتقون تخييلياً في مقهيالوردة البيضاء مثلاً. التجوّال في شوارع اليوم بكل تناقضاتها وخشونتها وصخبها، ظل بمنأى عن اهتمامات الجيل الروائي المكرّس، وكذلك من يطمح للشرعية وختم المختار من أبناء الجيل الجديد، وحتى حين قارب بعضهم الآن هنا اشتبك مع هذه التحولات بحساسية قديمة وسرديات تقليدية، لم تمكّن هذه النصوص من مراودة اللحظة الراهنة كما ينبغي. في رواياتي الأربع، استخدمت ضمير المتكلم، وإذا بالسهام تُرشق نحوي من كل الجهات،على اعتبار أنني أكتب سيرةً ذاتية، وأخذ بعضهم بمحاكمتي كمؤلف، نيابةً عمّا ترتكبه شخصياتي من حماقات غرامية وعلاقات عشوائية ومحاولة تحطيم بنى السرد النائم، خصوصاً أن الراوي في روايتي زهور وسارة وناريمان، كان يحمل اسم خليلكنوع من المشاكسة ، حتى أن ناقداً وروائياً مرموقاً كتب غامزاًفحل الرواية السورية. كأن إعادة الاعتبار إلى ضمير المتكلم على حساب ضمير الغائب، رغبة ممنوعة، فإعلاء شأن الذات منطقة محرّمة في ظل ثقافة الجموع والزي الموحّد. أنت تتكلم عن رواية سورية جديدة تعمل في منطقة محرّمة؟ هذا يعني أنك هتكت قانون الطوارئ. من أنت كي تتجاوز الحدود من دون جواز سفر؟ في الواقع هناك من بدأ يعترف بوجود مثل هذه الرواية، عربياً على الأقل، بدليل أن دور النشر العربية بدأت تهتم بالرواية السورية الجديدة، أما محلياً، فإن الاعتراف بها نقدياً، يشبه تجرّع زيت الخروع. علي المقري: التجريب كبناء في النص لم يبتعد هاجس التجريب لدي عن منحى الكتابة بكل تفصيلاتها السردية، ابتداءً من استخدام المفردة إلى تركيب العبارة ونسق الفقرة، ولم يخرج هذا الهاجس عن تخوفات شتى، لا سيما أثناء استعراض القراءات النقدية التي لا تستطيع أن تقوم بعمل متفحص للنص، على كل المستويات، ووصولاً إلى مشتغل الترجمة وناشرها الذي لا يحبّذ مغامرة فنية تتجاوز المستقر والمألوف. أستذكر هنا رأيا لروجر ألن أحد أبرز مترجمي الأدب العربي إلى الإنجليزية، يتأسف فيه على أن قراء النصوص العربية المنشورة في اللغة الإنجليزية يفضلون كثيراً قراءة النصوص المترجمة التي تؤكد توقعاتهم فيما يخص القيم الثقافية والبيئية. وفي المنطق نفسه لا يريد هؤلاء القراء أن يقرأوا نصوصاً تعرض لهم أمثلة لاختلافات عنيفة عن قيمه الثقافية وتتحدى وسائله العادية في قراءة النص السردي الخيالي. فأحب القراء للغة الإنجليزية »ثلاثية» محفوظ مثلا لأنها لم تتطلب منه مواجهة غير المعلوم وغير القابل للفهم في مجال التسلسل التاريخي للسرد وتصوير الشخصيات..إلخ.مع هذا القول لآلن، لا يبدو لي أن قراءة بمعايير مسبقة يمكن أن تنفذ للنص، فإذا كان المحرر الأدبي في دور النشر [الناقد، أيضاً] يقوم، عادة، بمهام مراجعة النص وفق قوانين ومقتضيات فنية، فإنه سيبدو له، كما أظن، أنّ رواياتي لا تلبي، شروط السردية التقليدية أو الحديثة [المكرّسة]، المتعارف عليها، في كتابة الرواية. أمّا إذا قرأ النصوص من منطلق أن لها خصوصيتها الثقافية والسردية، وإيقاعها اللغوي، فإنّه سيمضي إلى التبيّن والكشف بدلاً من التصنيف والحكم. في طعم أسود رائحة سوداء لم أهتم بشكل الكتاب وتوصيفه، حين بدأت أكتب سطوره الأولى. أردته كعالم الأخدام، يتناسل من سرديات شتى، تاريخية واجتماعية وواقعية ومتخيّلة، ليكوّن إيقاعه الخاص. لم أسمح بمرجعيات النظم السردية التعليمية أن تتدخل في تحديد مسار الكتابة، فإذا أردت أن يقترب الكتاب من هذا العالم المتمرد فإنني لم أعبأ بتفاصيل مشهدية يظنّها النقّاد ضرورية، وأعتبرها زائدة. حاولت أن أكون أقرب إلى عالم الأخدام معاينة ومعايشة، فرأيت أن الشخصيات المسرودة لا يمكن لها أن تتطور أو تنمو في أحداث متتالية، وإلاّ لكانت بعيدة عن هذا العالم الذي يعيش فيه الأخدام ك »محوّيين» مؤقتين، وليسوا سكّاناً مستقرين. ولهذا تبدو الشخصيّات المسرودة عابرة، تظهر فجأة حيناً، وتختفي وتغيب فجأة، أيضاً، في أحايين كثيرة، بل إن المحوى نفسه في عششه وتاريخيته الهامشية يواجه في النهاية سؤال الاختفاء المفاجئ، بل والانقراض، حيث مضت الجرّافات تزحف نحوه، مخلّفة لا شيءهكذا، اكتشفت وأنا أمضي مع التدفق السردي غير المحدود، في جمل وصفية خاطفة وتقريرية تستدعي التوثيق والتاريخ، دون أن تؤكدهما، أنني أتكئ على مرجعيتين في السرد يشكلان أبرز قراءتي: طريقة أو أسلوب كتابة الحوليّات في التاريخ العربي، بحيث يبدأ الحديث عن الشخوص وحياتهم انطلاقاً من خبر وفاتهم في السنة المؤطِّرة للأحداث وأخبار الوفيّات، وهو ما يمكن ملاحظته في تحديد السنوات المسرودة »19821975» مع عدم تراتبية الزمن الممل، إذ يصبح في مساره الظاهر هكذا »1982/1980/1979/1978/1977/1976/1975/1981» مع تداخل أزمنة أخرى، في الزمان المحدد، بعضها قديمة، وبعضها معاشة . أمّا المرجعية الثانية، التي أظن أنني قد استفدت منها كثيراً، فهي أسلوب السرد الحديث بما يتيحه من لعب في بناء الفقرة وتركيب الجملة، بل وفي منطوق المفردة اللغوية وموقعها وشكل كتابتها. إلى جانب المشهدية الرابطة لسياق الأحداث والشخوص في حركة مفتوحة غير مقيّدة في إطار نصّي مغلق، حيث يصير من الممكن استدعاء التاريخي والتوثيقي السياسي وإدراجهما داخل النص المتخيّل، لا للتوكيد على مصداقيتهما. وإنّما لتفكيك مرجعيتهما. فبدا الأشخاص متشابهون حيناً، ومختلفون حينا آخر؛ بل تتعدد ذواتهم نفسها، حتى يصير من الصعب القول بمحمول أيديولوجي ما. فزمن السرد المستذكر في صفحات قليلة منه لزمن الحراك السياسي الذي حاول الالتفات إلى الأخدام يعطي لعباراتهم شبه الفكرية مبرراً في السرد، لكنها عبارات تبقى متمرّدة وغير محددة أيديولوجياً، فالأيديولوجية ترد كمتناول سردي، وليس منطلقاً وغاية، إذ أن أي هدف أيديولوجي لبناء سردي لن يتوافق مع عالم الأخدام اللايقيني غير المحدود ثقافة وحياة. في هذا المنحى من الحساسية، كان التعامل مع مختلف مقتضيات السرد الأخرى. وقد تساءلت، وأنا أتلقى عروض ترجمة رواية اليهودي الحالي كيف سيبدو حال »و»، أوّل حرف في النص بعد أن يُنقل أو يُترجم إلى لغات مختلفة؟ ودخلت سنة.... ، يبدأ النص هكذا في بنائية تستذكر إشارات شتى [أتحدّث هنا كقارئ]، من خلال سارد »سالم/ اليهودي الحالي»، له خلفيات زمنية ومكانية في أجواء ثقافية معيّنة »يهودية/ إسلامية-عبرية/ عربية»، إلى جانب خلفيات أخرى مفتوحة وغير مقيّدة، تشكّلت مع النص، من هواجس الكتابة. التي وإن مضت في اكتشاف مزايا سردية عربية/ عبرية في المرجعيات الثقافية القديمة المشتركة، فإنها حاولت، في مستوى من النص، أن تمضي إلى تشكيل نصّ، غير مقيّد أو ملزم لمحددات تقاليد اللغة القديمة في بلاغيتها التعبيرية وبنائيتها الدلالية، الظاهرة في صياغة المفردة، كأن يستغنى عن »و» الفضفاضة المستخدمة بكثرة، في الكتابة العربية: الأدب والصحافة. يتضح هنا أنني أتحدّث عن »واوين»: »و» لها خلفيتها السردية [لست هنا في مجال لأتحدث عن مكانة »و» في الثقافة اليهودية، التي هي جزء من مكونات السارد، أو عن جمالية بنائيتها في سرديات كتب الحوليات العربية القديمة وتتشكل في النص ضمن سياقات جمالية، و»و» محذوفة، بتقصد يحاول تجاوز التشكل الكتابي الفضفاض في صياغة الجملة العربية، إلى مقاربة لا تبدو فيها ال »و» إلاّ ... إذا تطلب موقعها الصوتي من السارد أو القائل في النص. في هذا المستوى، من البنائية، يمكن لقراءة أن تتفحص النص وتتنبه إلى تعامله بحذر وقلق مع كلمات وحروف: قال، أضاف، الذي، التي، لكن، لن، لم، إن، أن، ذلك، ال التعريف، إلخ.. فلا يوجد حشو أو توضيح، وأحياناً يتطلب البناء السردي من القارئ أن يقوم هو بترتيب البناء، أو اكتشاف الغواية. الأمر نفسه في جوانب الترقيم، وبناء الفقرة. [في ص 102مثلا ستجد فقرتين، الأولى مقتضبة بعبارات متقطعة وقصيرة، والثانية تبدو طويلة، في سياق متصل، يتلاءم مع سياق البناء ككل. هذا البناء صار محفّزا على الابتعاد عن سرد التفاصيل المعتادة والمضي عبر آلية سرد مقتضبة كحال شخصية رواية حرمة وهي تتذكّر حياتها المعاشة في أزمنة غير مرتبّة وتبعاً لإيقاع الأغنية التي تسمعها..