هل يعقل أن يكون ذلك الطبيب النرويجي أكثر غيرة على غزة من حكام العرب والمسلمين وأكثر شعورا بآلام الفلسطينيين من بني جلدتهم وممن يفترض أنهم إخوة.! لم يتأخر ذلك الطبيب في نشر رسالة مفتوحة إلى الرئيس الأمريكي أوباما، احتجاجا على العدوان الصهيوني على غزة، بينما رؤساء وملوك الطوائف من أعراب هذا الزمن، لم يجرؤ أي منهم على استدعاء ممثله لدى الكيان الصهيوني، فضلا عن التفكير، مجرد التفكير، في طرد السفير الإسرائيلي! في اليوم كذا من الحرب الاسرائيلية المفتوحة، من حق أهل غزة الصامدين أن يتطلعوا حولهم بدهشة ولهم أن يتساءلوا في عجب: ما هذا الهدوء الذي ينعم به إخوتهم من »عرب الكراسي«، في وقت تتواصل فيه الغارات وعمليات القصف على غزة كمطر الموت المنهمر من الجو، البحر والبر . من حق أهل فلسطين أن يستغربوا كيف أن أرضهم هي وحدها التي تتطهر بالدم الحار، بعد أن أصبح ''عرب الكراسي'' شاهد زور في محفل الدم ومجرد حائط مبكى. إن المقاومة الصامدة في غزة، قد تعاظمت قوة واحتراما في عيون العالم خلال هذا العدوان الإجرامي، الذي أمعن في قتل الأبرياء من أطفال ونساء. إن الدرس الذي نتعلمه من المقاومة الباسلة في فلسطين، هو أنه إذا كانت أرضك محتلة، فلن يحررها إلا دمك. إذا كان حقك أمامك، فلماذا لا تمد يدك لانتزاعه من غاصبه. ''هكذا نحبهم''.. تحت هذا العنوان كتبت صحفية إسرائيلية قاصدة به القادة الصهاينة، قائلة: »نحن لا نحب حكامنا إلا وهم يتحركون تحضيرا لعدوان عسكريٍ، إلا وهم يستدعون الاحتياط، إلا وهم يجعلوننا نرى دباباتنا ترفع وتخفض مدافعها في حركة لا تهدأ، لا نحبهم إلا وهم يرفعون الأصبع مهددين الشعوب العربية بالدمار، لا نحبهم إلا عندما نرى أشلاء الآخرين على شاشاتنا«. إذن، أي عذر يبقى للأنظمة العربية، وهي المتفرجة والمسكونة بالخوف، وهي تعرف جيدا أن العدوان الإسرائيلي يطال أمنها، ينتقص من سيادتها ويضعف موقعها أمام شعوبها. هل يعقل أن يتخلى المقاومون عن أسلحتهم؟.. لو يحدث هذا، لا قدر الله، لما بقي لهذه الأمة ذكر في التاريخ. وإذا كانت فئة قليلة من رجال المقاومة ، قد صنعت هذا الصمود، فكيف إذا نهضت هذه الأمة بإمكاناتها البشرية والمادية الهائلة، وبقوة الشارع العربي الغاضب والموشك على الانفجار، جراء ما يتعرض له من إذلال وامتهان. صبرا غزة المجاهدة، صبرا أيتها القرى والبلدات المقاومة، صبرا أيها الأبطال الميامين، يا من تدونون بالدماء الزكية صفحات مجيدة في مقاومة الأعداء الغزاة. صبرا جميلا، يا من تؤكدون بأنكم روح وإرادة وعنفوان وتاريخ. سلام عليك، غزة العزة، سلام على شهدائك، على رجالك ونسائك وأطفالك يوم يبعثون. سلام عليكم يا من تعيدون إلى الذاكرة صورة العربي المقاتل الكريم بعطاء الدم. لكم المجد والنصر يا من تقاتلون في أرضكم ومن أجل أرضكم. وعذرا، أيها الأحبة، فلم تبق لنا إلا الكلمات وآيات الإعجاب والتقدير لكم. لذلك، ليس هناك أقوى من تلك الرسالة التي كتبها الطبيب النرويجي د. مادس جيلبرت، عن الأوضاع المأساوية التي يعيشها سكان قطاع غزة، وهي تفيض إنسانية ونبلا. جاء في الرسالة: أصدقائي الأعزاء: كانت الليلة الماضية أقساها. فقد نتج عن »الغزو البريّ« على قطاع غزة عشرات المشوّهين والمبتورين والمرتجفين والمحتضرين، وكلّ نمط من الجروح للفلسطينيين، من كافّة الأعمار، وكلّهم مدنيّون، أبرياء. يعمل الأبطال في سيارات الإسعاف وبجميع مستشفيات غزة ورديتين كلّ 12 ساعة، بوجوه شاحبة ومنهكين من ضغط العمل اللاإنسانيّ من دون أيّ رواتب خلال الأشهر الأربعة الأخيرة) يقومون بالرعاية والإسعاف في محاولة لفهم الفوضى غير المفهومة أصلاً من الأجسام، من كلّ حجم، والأطراف، ناس يسيرون ولا يسيرون، ناس يتنفّسون ولا يتنفّسون، ناس ينزفون ولا ينزفون، ناس! يعاملهم كالحيوانات، الجيش الأكثر أخلاقيةً في العالم، كما يدّعون! إجلالي للجرحى لا يُحدّ، لثباتهم في خضمّ الألم والعذاب والصدمة، إعجابي بالهيئة الطبية والمتطوّعين لا يُحدّ، وقربي من »الصمود« الفلسطينيّ يهبني القوّة، على الرغم من اللمحات التي أودّ فيها الصراخ، احتضان أحد ما بعزم، البكاء، حين أشمّ جلد وشَعر طفل ساخن، تغطّيه الدماء، فنحمي أنفسنا في احتضان لا ينتهي، لكننا لا نتحمّل ذلك، وهم لا يتحمّلون. وجوه شاحبة متربة، آه، لا يتحمّل المرء عشرات المشوّهين والنازفين، ولا تزال لدينا بحيرات من الدماء على الأرض، أكداس من الضمادات المنقوعة في الدم، وتنقّط، في حاجة إلى تنظيف، آه، المنظّفون في كلّ مكان، يكسحون الدماء والأنسجة المهترئة، الشعر والملابس، الحُقن وكلّ ما يتخلّف عن الوفيات، يجرفونها بعيداً، لنستعدّ من جديد، ويتكرّر كلّ شيء من جديد. أكثر من 100 حالة وصلت مستشفى »الشفاء« خلال 24 ساعة الماضية، وهي حمولة مستشفىً ضخم، بأجهزة عالية في كلّ شيء، أما هنا فلا يوجد شيء تقريباً: الكهرباء، الماء، الغَيارات، الأدوية، طاولات الجراحة، الأدوات الطبية، أجهزة نبض القلب، كلّها صدئة، وكأنها مستلّة من متحف لمستشفيات الماضي. مع ذلك، لا يشكو هؤلاء الأبطال، لقد تكيّفوا معها، رؤوسهم عليها، كالمحاربين، بعزم لا يلين. أكتب إليكم هذه الكلمات، وأنا وحدي، على فراشي، بينما تنسال دموعي، دموع دافئة لكنها عديمة الجدوى، من الألم والحزن، من الغضب والخوف، مما يصعب تصديقه! والآن، بدأت أوركسترا آلة الحرب الإسرائيلية عزفها، ثانيةً، سيمفونية جهنمية، وابل من المدفعية، من قوارب بحرية تستقرّ الآن على الشواطئ، هدير طائرات إف ,16 أزيز العربات العسكرية، وطائرات الأباتشي التي تصم الآذان. الكثير الذي صنّعته ودفعت ثمنه الولاياتالمتحدةالأمريكية. يا سيد أوباما ألا يزال لديك قلب؟ إنني أدعوكَ، لتقضي ليلةً واحدةً، مجرد ليلة واحدة، معنا، بمستشفى »الشفاء«. ولو متنكّراً في ثياب عامل نظافة. وإني لعلى يقين، من أن ذلك سيغيّر التاريخ. فما من أحد لديه قلب وطاقة يستطيع أن يشيح بوجهه بعد هذه الليلة في »الشفاء«، من دون أن يقرّر إنهاء هذه »المذبحة للشعب الفلسطينيّ. لكن القساة ومن نُزعت عن قلوبهم الرحمة، لديهم حساباتهم في هجوم آخر داهية على غزّة. ستظلّ أنهار الدماء سيّالة في الليلة التالية، أسمعهم وهم يضبطون آلات الموت نحوهم. أرجوك، افعل ما تستطيع، فليس لهذا أن يستمر. . غزة، فلسطينالمحتلة مادس جيلبرت عيادة طبّ الطوارئ مستشفى جامعة شمال النرويج أول الكلام '' وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُون'' صدق الله العظيم