لم تعرف مصر «نجومية» أديب شاب في حياته كما يعرفها الروائي أحمد مراد الآن، حقيقة يدركها منتقدي أدبه قبل قرائه، وتؤكدها أرقام المبيعات وعدد الطبعات، التي تتصدر قائمة الكتب الأكثر مبيعا في معظم المكتبات، بل والنسخ المزورة التي تتعدى الأرقام المعلنة، وتنتشر على «فرشات» الأرصفة، وتباع حتى في عربات المترو، كما تشهد حفلات توقيع رواياته حضورا لا يقل عن حضور حفلات نجوم الغناء! بين الفيلم القصير «الثلاث ورقات» والفيلم الطويل «الفيل الأزرق» ثلاثة عشر عاما؛ الزمن ليس بطويل بين مشروع تخرج المصور الشاب والفيلم الطويل الأول له ككاتب، تحول خلاله من مصور موهوب إلى كاتب «البيست سيلر» و»الجوائز»، كما انه ليس بزمن طويل بين روايته «فيرتيجو» التي صدرت عام 2007 وروايته «1919» التي صدرت منذ أشهر قليلة، صدرت روايته الأولى عن دار «ميريت» التي أشتهرت بنشر أعمال الشباب، قبل أن تقتنصه دار الشروق، ويحظى بكل هذا التواجد. إنشغل مراد بكواليس عالم السياسة والمال والفساد التي جذبت شريحة كبيرة من القراء، في فترة ما قبل ثورة يناير ,2011 مستغلا اقترابه من تلك الدوائر وعمله كمصور في قصر الرئاسة، وكان بطل روايته الأولى مصورا يشهد على جريمة قتل، والتي تحولت لمسلسل تليفزيوني، ولم تبتعد روايته الثانية «تراب الماس» الصادرة عام 2010 عن تلك الأجواء المشحونة بالإثارة، إلا أن روايته الثالثة «الفيل الأزرق» والتي صدرت عام 2012 أقترب فيها من أدب الرعب، وفي روايته الصادرة حديثا «1919» يتجه إلى الرواية التاريخية!أستطاع مراد، عبر مشواره القصير، الحفاظ على قارىء جديد رسخ لنجوميته بأدوات مختلفة تبدأ بالميديا الجديدة المتمثلة في الانترنيت وتصل إلى الأرصفة والبيوت، فهل ما قدمه مجرد ظاهرة تجارية ستزوي سريعا أم إنها تجربة إبداعية حقيقية؟! القارىء المتسامح! ظهر جيل جديد من الكتاب مع بداية الألفية الثانية، لم يولد فجأة، بل نبت في أرض متشوقة إلى دماء جديدة، ومعه ظهر القارىء الذي يشير إليه الروائي حمدى أبو جليل قائلا: (هناك قراء جدد للأدب «متسامحين» فيما يتعلق بالصنعة اللغوية، فليس بالضرورة أن تكون اللغة جيدة، وما يجذبهم المتعة التي تأتي، أحيانا، من الخفة، قبل ذلك كان قراء الأدب من أبناء المهنة «لا يعجبهم العجب» , هذا القارىء الذي وجد دور نشر خاصة تهتم بالنشر للشباب، حتى ولو كانت في البداية محدودة، ثم مع ازدياد الإصدارات ووصول التوزيع إلى أعداد وصلت إلى الآلاف بعد ان كان توزيع كتاب كبار في أجيال سابقة لا تصل إلى المئات، وبدأت مكتبات جديدة في الظهور في مراحل لاحقة، مناخ يتشكل في سرعة تناسب مزاج من يشغله، فلم يكن غريبا أن يصل توزيع رواية مراد الأخيرة إلى 30 الف نسخة في شهرين فقط! قراء مراد الذي وصفهم أبو جليل ب «المتسامحين» شكل جزء منهم ما اطلق عليه «ألتراس أحمد مراد»! وذلك لانهم يتجهون في الغالب للهجوم على أى شخص ينتقد كاتبهم المفضل على شبكات التواصل الاجتماعي وهو ما علق عليه مراد قائلا: وجود ألتراس من القراء مثل ألتراس الكورة يدل على ان قراء الأدب والقراءة أصبح لها جمهورا كبيرا، مما يمثل ظاهرة أدبية في صالحنا جميعا، ولكن من يدافع عنى بالهجوم على من لم يتفاعل مع رواياتي يضرني أكثر ممن ينتقدني دون ان يقرأني جيدا، لأنه يعطي صورة ذهنية خاطئة عني عند من لم يقرأني بعد»أستخدام الميديا الجديدة كان بداية لنجاح مراد وانتشاره وقد سبق وأن أصدر فيديو دعائي لروايته «تراب الماس» قبل صدورها إسوة بأفلام السينما! يعلق مراد: لم أكن من سن هذه البدعة لكنه كان ناجحا أكثر من غيره لأنى مصور وسينمائي في الأساس» سألت مراد في حوار معه بعد صدور روايته الأولى: هل يمكن اعتبار هذا العمل رواية أم مشروع لسيناريو فيلم؟ فأجاب آنذاك بانه يكتب وعينه على السينما، أساله الآن، بعد صدور رابع رواياته وانتشاره ككاتب واستعداده لصدور فيلمه الأول: هل تكتب وعينك على السينما فأجاب: لا أستطيع أن أتجاهل السينما وأنا سينمائي في الأساس، ولو اعتبرت الأدب مجرد أداة للسينما أو السينما مجرد امتداد للأدب فأنا أهين جميع التجارب السينمائية التى أعتمدت على الأدب من قبل، كل ما أستطيع قوله انه لو قدم لى عرض سينمائي لم يعجبني الطريقة الذي سيقدم بها نصي لن أقبله ويكفيني ان أقدم أدبي كما أريد»التجربة الإبداعية! شهد مراد هجوما كبيرا في بدايته وعدم اهتمام نقدي يوازى نجاحه التجاري وحظى أيضا بدعم معنوي كبير فقد قدم لروايته «تراب الماس» الروائي صنع الله إبراهيم، وبعد صدور «الفيل الأزرق» ارتبط اسمه بكاتب روايات الرعب احمد خالد توفيق باعتباره امتدادا لخطه في الكتابة، حتى دخلت الرواية إلى القائمة القصيرة للبوكر العربية، وبين أعضاء لجنة تحكيمها أسماء بارزة في مجال النقد مثل الناقدة والاكاديمية المغربية زهور كرام، وبدأ الجدل حول أحقية العمل باعتبار أن معايير النجاح التجاري تختلف عن التقييم النقدي، جدلا مازال قائما يعلق عليه مراد: أنا ضد هذا التصنيف وأجد أن الأدب الجيد سيستمر ولا يعيبه أن يبيع بشكل جيد ويحصل على حظه، وهذا لا يعنى أن هناك أعمال جيدة لم تحصل على حظها بعد» تتقاطع الناقدة والاكاديمية د. سمية رمضان مع مراد بقولها: واضح أن ما نحاول وضع يدينا عليه هو «سر» نجاح أحمد مراد الهائل. رأى المتواضع أنه دون شك شاب موهوب ويعرف كيف يحكى حكاية مشوقة تجعلك تقلببين الصفحة فى انتظار عما ستتمخض عنه الأحداث. هو كذلك «محظوظ» ليس بالمعنى الذى كان يقصده نجيب محفوظ عندما كان يطلق على نفسه «نجيب محظوظ»! ولكن لأنه قدر له سعة أفق معرفية ومنهج بحثى محترم. وربما واتته فرص كثيرة للاحتكاك بثقافات متعددة ومتنوعه. ورأى ان الرواية هى من أفضل الأنواع الأدبية «لنشر» نوع من المعرفة يقرب الناس وفى ذات الوقت ينقل لهم خبرات ومعارف ووجهات نظر «آخرين» لو انها تعاملت مع نفسها كأداة تسلية. لا يريد أبوجليل أن يطلق على تجربة مراد مصطلح «ظاهرة» وذلك لأن الرواية الآن ليس لها شكل محدد أو قواعد ثابتة ويعلق: أنا متحمس لتجربة مراد حتى بمعناها التجارى فلم توجد مثلها في مصر، فحتى علاء الأسواني لم يمثلها، لان طموحه كان إنتاج الرواية «المأمولة» فلا ينطبق عليه معايير كتابة عمل تجاري وإن حققت روايته ذلك، أما مراد فكان هدفه الرواية «الناجحة في الوصول للشارع فقدم خلطته الخاصة لتحقيق ذلك، فوصل للشباب البسيطة في أعماق الجبال كما وصل لمرتادى مكتبات المول» تتداخل معه د. سمية رمضان قائلة: عايزين أدب تقرأه قلة مطلعة حداثية لا يهمها القارىء لا مانع. المجال واسع ومتاح لكل الأنواع والباقى على النقاد أن يضعوا لنا القوائم التى ستذكر فى تاريخ الأدب المصرى ونعلمها للأجيال من بعد بعدنا على أساس أنها تراثهم الروائى. لكن ظنى أنه حتى حينئذ سوف نضطر للقول أن هناك «ظواهر» نالت شعبية عظيمة وقتها أتاحت لنا فرصة تقييم ما تعودناه كما نفعل عندما نتحدث عن تشوسر والكانتربرى تيلز أو دى كاميرون. وكانوا فى وقتها يتهمون بالسوقية واللغة المنحطة واليوم تدرس تلك الأعمال فى أقسام الأدب «الرفيع» ولا يعلم عنها عامة الناس شيئا!