لا أعد نفسي ناقدًا، بل مجرد قارئ هاوٍ سعد كثيرًا بوجود جائزة تسلط الضوء على «الرواية العربية» بديلاً عن «نوبل» و»مان بوكر» البريطانية، وربما تلفت الأنظار إلى وجود روائيين عرب كبار يستحقون الالتفات إليهم ومتابعتهم، وربما أيضًا تلفت الأنظار لهم عالميًا، ثم تمنحهم في النهاية شيئًا من التقدير المادي المفتقد، هذا كل ما في الأمر، هذا هو خلاصة الموضوع، بدءًا من عام إنشاء الجائزة 2008 وحتى اليوم، كنَّا نتابع بشغف حقيقي الروايات التي تصل إلى القائمة الطويلة، وأصحابها، وأزعم أننا في «مصر» على وجه التحديد منكفئين على ذواتنا، مما جعل هذه الجائزة فرصة سانحة وكبيرة للالتفات إلى عدد أكبر من الروائيين العرب، الذين سعدنا بوجودهم على قوائم هذه الجائزة أحيانًا وعلى رأسها أحيانًا أخرى، وبقي الجدل دائمًا، وربما سيبقى لسنوات طويلة، ولكن ماذا حدث في البوكر طوال سنواتٍ سبع؟! في العام الأول كان الرهان صعبًا، وكان على «الجائزة» أن تؤكد وجودها وحضورها في المشهد «الروائي العربي» إن صح أن هناك ما يسمى كذلك، فكان أن حظيت الجائزة باسم كبير، روائي مصري من جيل الستينات، وإن لم تكن روايته التي فازت ببوكر (واحة الغروب) هي أفضل ما كتب، ولكن لا شك أن «الجائزة» استطاعت من خلال اسم «بهاء طاهر» وعدد آخر في القائمة القصيرة معه أن تؤكد حضورها، ولنتذكر معًا أن بهاء لم يكن وحده من مصر، وإنما كان معه الروائي المصري «مكاوي سعيد» الذي حظيت روايته «تغريدة البجعة» قبيل إنشاء الجائزة بحفاوة نقدية وجماهيرية على كبيرة على حد سواء، بالإضافة إلى أسماء مثل السوري «خالد خليفة» والأردني «إلياس فركوح» . في العام التالي مباشرة، بدأ اللغط وثارت الانتقادات لبوكر ولجنة تحكيمها، لاسيما بعد حصول روائي «مصري» آخر على الجائزة، هو «يوسف زيدان» الذي حظيت روايته «عزازيل» أيضًا على حفاوة نقدية بالغة، إلا أن علامات استفهام كثيرة ظلت تحيط بالقيم الفنية والنقدية للجنة إثر استبعاد أسماء مثل «إبراهيم نصر الله» وروايته الملحمية «زمن الخيول البيضاء» رغم وصولها للقائمة القصيرة وخروج اسم «إبراهيم الكوني» بروايته (الورم) من القائمة القصيرة أصلاً، إلا أن العاصفة لم تلبث أن هدأت تمامًا، يومها كتبت أني أشكر جائزة البوكر أن عرفتني على روائي كبير مثل «إبراهيم نصر الله» وأهدت جائزتها ل»يوسف زيدان» الذي قوبلت روايته بكثير من الجدل في أوساط مسيحية كونها تتحدث عن التاريخ المسيحي وما إلى ذلك! 2010 القشة التي قصمت الظهر في الواقع لم تكن «قشة» بالضبط، إذ أن انسحاب واحدة من لجان تحكيم «بوكر» في هذا العام، بعد إعلانهم عن القائمة الطويلة وقبيل الإعلان عن القائمة القصيرة للجائزة أثار لغطًا كبيرًا وواسعًا،انسحبت «د.شيرين أبو النجا» الناقدة المصرية من لجنة تحكيم الجائزة وعزت انسحابها ل غياب «المعيار النقدي» حد تعبيرها، بالإضافة إلى اتهامها أحد الروايات الموجودة في القائمة الطويلة بأنها تغازل دولة الجائزة «الإمارات»، وهي الإشارة التي لم يجد أحد من القراء ضرورة لها في رواية «ربعي المدهون» الجميلة (السيدة من تل أبيب)، ولكن الأمر لم يقتصر على هذه الرواية ولا على انسحاب الدكتورة «شيرين» فالقائمة الطويلة كانت تحوي أسماء مثل «علوية صبح» بروايتها التي أشاد بها النقاد ولم تعجب الكثير من القرّاء (اسمه الغرام)، واعتبر المتابعون خروج د.شيرين لأنه تم استبعاد «علوية صبح»، ولكن الحقيقة أنه تم استبعاد «سحر خليفة» أيضًا و»روزا الياسين» و»علي بدر» و»حسن داود»، أصبحنا نتحدث عن أسماء روائيين كبار، وليس عن أعمال يفترض أنها هي المعيار الوحيد في التقييم، وكان أن أبقت اللجنة في قائمتها القصيرة الروائي المصري «المنسي قنديل» و»منصورة عز الدين» وربيع جابر والروائي السعودي الكبير «عبده خال» الذي فاز بها هذا العام عن جدارة واستحقاق، ولكن بعد زوبعة نقدية لم تهدأ .. أعتقد أننا بعد 2010 أصبحنا أمام حالة خاصة، من جهة مجلس أمناء البوكر (الذين يختارون لجان التحكيم في سرية تامة) وبين ما يراه القراء والنقاد والمتابعون من القوائم الطويلة، أصبح واضحًا الآن على مدار أربع سنوات (2010/2014) أن هناك أسماء معينة «تشرِّف» القائمة الطويلة فقط، ولكنها لا تتحرك، ولا يعلم أحد السبب الحقيقي وراء هذا «التشريف»، هل تود أن تكتسب مصداقية مرة أخرى مثلاً، ثم تذهب الجائزة لآخرين، والمشكلة كما يعلم الكثيرون ليست في أسماء كبرى أو صغرى، إنما يعوَّل في النهاية أو هكذا يفترض أن يكون على جودة النص الأدبي المرشَّح للجائزة! وهكذا وجدنا «واسيني الأعرج» في القائمة الطويلة أعوام ,2011 مجاورًا ل»فواز حداد» ولا بأس من حضور الروائي المصري «خيري شلبي» رحمه الله بآخر روايته.وكذلك في عامي 2013 و 2014 ويحضر «إبراهيم نصر الله» (بعد خروجه 2013 2009و 2014 وفي الوقت الذي حرضت فيه روائية كبيرة مثل «هدى بركات» برواية توقع لها الكثيرون أن تحوز الجائزة (ملكوت هذه الأرض) ويحضر في نفس العام إلياس خوري بروايته (سينالكول) (في عام 2013 يحوز على جائزة البوكر الشاب الكويتي الموهوب «سعود السنعوسي» بروايته التي تستحق الجائزة فعلاً (ساق البامبو) التي حازت إعجاب القرَّاء والنقاد معًا، وبدا أن الجائزة استعادت بها بريقها مرة أخرى، ونسي الناس الأسماء الكبرى التي خرجت من القائمة الطويلة حينها، في الوقت الذي جاورت رواية «سعود» في روايات أخرى أقل فنية بكثير مثل «أنا وهي والأخريات» «لجنى الحسن» و»مولانا» لإبراهيم عيسى !! إلا أنه وفي الواقع ما حدث في 2014 هذا العام هو الذي فاق كل التوقعات، فقد وصلت رواية «بوليسية» إلى القائمة الطويلة بدايةً، ثم أزاحت منافساتها في القائمة (بما فيهم من روايات مهمة وجميلة) لتستقر في القائمة القصيرة، وهي رواية الشاب المصري «أحمد مراد» التي أصبحت مثار الجدل الطويل منذ أعلنت الجائزة وصولها للقائمة القصيرة! شيء من هذا الجدل ثار في العام الماضي عندما أعلن عن وصول رواية «إبراهيم عيسى» (مولانا) للقائمة القصيرة كذلك، ولكنه كان أخف حدة، ذلك أن رواية «عيسى» وإن كانت «تجارية» إلا أنها تحمل سمات الفن الروائي، في الوقت الذي تخلص فيه رواية «الفيل الأزرق» للتجارية والبوليسية معًا بالإضافة إلى كونها تحتل قوائم ال بيست سيللر لفترة طويلة، وإعجاب شريحة كبيرة من القراء الشباب بها، كل ذلك يجعل الحديث عن «الفيل الأزرق» وصاحبها مشوبًا بالحسد والحقد عليه كونه الكاتب ذائع الصيت محقق كل هذه الإنجازات! إلا أن طائفة كبيرة من القراء وأنا معهم كان لهم رأي مختلف، فمهما اختلفنا أو اتفقنا حول ما كتبه «مراد» إلا أن الرواية «البوليسية» بهذا المعنى الموجود حتى في الغرب، والذي يحقق مبيعات كبرى وشهرة أكبر، بعيدًا عن عالم النقد الأدبي ونقاده، يرى الكثيرون أنها لا يجب أن توجد أصلاً في قائمة روايات يفترض أنها سيختار منها أفضل رواية عربية! فما بالكم إذا كان في القائمة روايات مثل (في حضرة العنقاء والخل الوفي) لروائي الكويتي الكبير «إسماعيل فهد إسماعيل» بالإضافة إلى رواية «واسيني الأعرج» «رماد الشرق» ورائعة إبراهيم نصر الله (شرفة الهاوية)، ورواية أمير تاج السر ,366 ورواية منافي الرب لأشرف الخاميسي، ورواية إسكندرية في غيمة للروائي المصري الكبير إبراهيم عبد المجيد!!! قلنا من قبل، ونؤكد مرة أخرى، أننا لا نعبد الأصنام، وليس الأمر متعلقًا بكون الرواية لكاتب كبير أو ذا خبرة وتجربة في مجال الكتابة الروائية، بل الأصل والأساس هو النص المقدم للجائزة، وعليه فإنه يفترض على أيٍ ممن يمتلك قدرة على القراءة وحسًا نقديًا ولو بسيطًا أن يقارن أي مقارنة عابرة بين رواية «الفيل الأزرق» لأحمد مراد وأيٍ من الروايات التي خرجت من القائمة الطويلة ليكتشف بعد الهوة! والأمر لم يتوقف عند رواية مراد في الحقيقة، إذ يرى مراقبون كثر أن الجائزة ستمنح هذه المرة لروائي «سوري» فقد غابت الجائزة عن «سوريا» كثيرًا، وهنا تأتي فكرة المحاصصة للحضور وكأن النقد والأدب آخر ما يفكر فيه أصحاب اللجنة، نقول روائي سوري لحضور رواية خالد خليفة الجميلة (لاسكاكين في مطابخ هذه المدينة) في القائمة القصيرة، وهي الرواية التي أخذ عليها صاحبها جائزة نجيب محفوظ/الجامعة الأمريكية في الرواية مؤخرًا، أما باقي القائمة القصيرة هذا العام فقد أجمع كثيرون أنها روايات أقل ما توصف به أنها مملة! وهكذا، فإنه، وأيًا كان الفائز بالجائزة هذا العام، أو الذي يليه، فقد استطاعت «الجائزة العالمية للرواية العربية» أن تخلق حالة طويلة من «الفوضى» وتكرِّس لأنه بخلاف كل التوقعات والآراء النقدي والجماهيري منها، فستبقى القائمة الطويلة فقط هي ما ينتظره القراء كل عام، أما اختياراتهم بعد ذلك فهي لهم!