إنهم يرحلون عن دنيانا هذه،، ولا أحد يحتفي بهم. ذلكم هو قدر الصحفيين في هذا الوطن بعد جهادهم الطويل في سبيل الكلمة الصادقة الجميلة والخبر الصحيح الذي ينور الأذهان والعقول. آخر الراحلين هو الزميل علاء الدين رقيق مكي من مجلة زالمجاهدس التي كانت في يوم من الأيام اللسان المركزي لحزب جبهة التحرير الوطني. أقول عنه إنه رحل في صمت قاتل، وما أقبح مثل هذا الصمت في زمن تنفخ فيه الأبواق لكرة القدم، وتصرف من أجلها الأموال الطائلة بدلا من أن توجه لأبناء الشعب المسكين. أبصرت به يجابه جحافل المرض صامدا راضيا بقضاء الله وقدره، ووقعت عيناي عليه للمرة الأخيرة عشية يوم الجمعة 8 أوت وهو في غيبوبة كاملة ما لبث أن رحل بعدها. علاء الدين انتمى إلى مجلة زالمجاهدس عام ,1970 أي بمجرد أن نال شهادته العليا من جامعة القاهرة. كان في مقدوره أن يطرق أبواب الصحافة العالمية بحكم تمكنه من اللغتين العربية والإنجليزية ودراسته العميقة لفنون النقد الأدبي والسينمائي والمسرحي، لكنه آثر أن يعود إلى أرض الوطن. وعلاء الدين، لمن لم يعرفه، من مواليد مدينة ز المفرقس شرقي المملكة الأردنية. وهي المدينة التي هاجر إليها والده منذ زمن بعيد وشارك في بنائها، وكان من أعيانها إن جاز التعبير. وقد أرخ لهذه المرحلة من حياة عائلته في رواية لم تنشر بعد، كما أرخ لحياته الصحفية في رواية جميلة تحمل العنوان التاليس الرجل الذي يتحدث إلى الأحصنةس، فضلا عن مئات المقالات التحليلية والنقدية التي نشرها تباعا في مجلة المجاهد على مدى ما يقارب الأربعين عاما. كنا بضعة أنفار في جنازته، وعلى رأسنا الزميل سي فضيل سي محمد، مدير مجلة المجاهد على مدى عقود من الزمن. كان يتقدمنا على جري عادته، ويضطلع بدور مسبار زالسيسموغرافس الذي يرصد أدنى حركة في الواقع السياسي والصحفي، وفي أسرة هذه المجلة التي ظلت متماسكة إلى أن نسيها أو تناسها قياديو حزب جبهة التحرير الوطني. تمنيت أن يكون أولئك القياديون ضمن المشيعين، بل إنني تمنيت أن تطلق عيارات نارية تكريما لهذا الصحفي والأديب المجاهد الذي ما كان يحب الأضواء الكاذبة. غير أن القوم انشغلوا بمناصبهم، وبتطلعاتهم إلى أن يكونوا وزراء وسفراء دون أن يلقي الواحد منه نظرة على واقع الصحفيين الذين يدينون لهم بما تسنموه من مناصب. أكتب هذه الأسطر والمرارة والحرائق في دمي، وأزداد في الوقت نفسه إيمانا بأننا لسنا في حاجة إلى أمثال أولئك القياديين. الصحافة عز ومجد وصدق واهتمام بكل ما تصطخب به جنبات هذا الوطن وجنبات مواطنيه. وعليه، أقول: وداعا يا أخي علاء الدين، وطابت رحلتك إلى حيث الآس والريحان، إلى جنة الخلد، بإذن الله، أمين. وإنا لله وإنا إليه راجعون.